مقال

موقعة صفين “جزء 6”

موقعة صفين “جزء 6”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع موقعة صفين، وفي آخر يوم من أيام المحرّم استدعى الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه مناديه يزيد بن الحارث، وأمره أن يخرج إلى أهل الشام، ويقول لهم ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم إني قد استأنيتكم لتراجعوا الحق، وأقمت عليكم الحجة، فلم تجيبوا، وإني قد نبذت إليكم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين، ويخطب الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه خطبة عصماء في قومه يحمّسهم على الجهاد في سبيل الله، ثم يقول لهم ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مدبرا، ولا تكشفوا ستر امرأة، ولا تهان، وإن شتمت أمراء الناس وصلحاءهم، وكذلك قام معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه أيضا في جيشه، وخطب في قومه خطبة حمّسهم فيها على الجهاد في سبيل الله، وهكذا فإن موقعة صفين كانت من أعجب الوقائع بين المسلمين.

 

وكانت هذه الوقعات من الغرابة أن كل من يقرأ عنها لا يصدق ما يقرأ ويقف مشدوها أمام طبيعة النفوس عند الطرفين، فكل منهم كان يقف وسط المعركة شاهرا سيفه وهو يؤمن بقضيته إيمانا كاملا، فهى ليست معركة مدفوعة من قبل القيادة، فيدفعون الجنود إلى معركة غير مقتنعين بها، بل كانت موقعة صفين معركة فريدة في بواعثها، وفي طريقة أدائها، وفيما خلفتها من آثار، فبواعثها في نفوس المشاركين فيها، فهم إخوة يذهبون معا إلى مكان الماء فيستقون جميعا ويزدحمون وهم يغرفون الماء وما يؤذي إنسان إنسانا، وهم إخوة يعيشون معا عندما يتوقف القتال، فهذا أحد المشاركين يقول كنا إذا تواعدنا من القتال دخل هؤلاء في معسكر هؤلاء، وهؤلاء في معسكر هؤلاء، وتحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم، وهم أبناء قبيلة واحدة ولكل منهما اجتهاده.

 

فيقاتل أبناء القبيلة الواحدة كل في طرف قتالا مريرا، وكل منهما يرى نفسه على الحق وعنده الاستعداد لأن يُقتل من أجله، فكان الرجلان يقتتلان حتى يُثخنا ثم يجلسان يستريحان، ويدور بينهما الكلام الكثير، ثم يقومان فيقتتلان كما كانا، وهما أبناء دين واحد يجمعهما، وهو أحب إليهما من أنفسهما، فإذا حان وقت الصلاة توقفوا لأدائها، ويوم قتل عمّار بن ياسر صلى عليه الطرفان، وإنه يجب على كل مسلم أن يحب الجميع ويترضى عنهم ويترحم عليهم، ويحفظ لهم فضائلهم، ويعترف لهم بسوابقهم، وينشر مناقبهم، وأن الذي حصل بينهم إنما كان عن اجتهاد، والجميع مثابون في حالتي الصواب والخطأ، غير أن ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ في اجتهاده، وأن القاتل والمقتول من الصحابة في الجنة، وفي اليوم الثالث من المعركه يخرج على فريق العراق.

 

عمار بن ياسر رضى الله عنه وأرضاه، وهو شيخ كبير قد تجاوز التسعين من عمره، ويخرج في الناحية الأخرى عمرو بن العاص رضى الله عنه وأرضاه ويتقاتل الفريقان من الصباح حتى المغرب، ولا يتم النصر لأحد الفريقين على الآخر، وفي اليوم الرابع يخرج على فريق علي بن أبي طالب، محمد بن علي بن أبي طالب المُسمّى محمد ابن الحنفية، وعلى الناحية الأخرى عبيد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه، ويدور القتال من الصباح إلى المساء، ويسقط القتلى والشهداء من الفريقين ثم يتحاجزان، ولا تتم الغلبة لأحد الفريقين على الآخر، وفي اليوم الخامس يخرج على فريق علي بن أبي طالب رضى الله عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعلى الفريق الآخر الوليد بن عقبة فاتح بلاد أذربيجان وجزء كبير من بلاد فارس في عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه.

 

وقد ولاه عثمان رضى الله عنه، وهو ابن خمس وعشرين وسنة، وكانت له جهود كبيرة في الجهاد في سبيل الله، وتقاتل الفريقان طوال اليوم دون أن يحرز أحدهما النصر على صاحبه، وفي اليوم السادس يخرج على فريق العراق قيس بن سعد، وعلى جيش الشام ابن ذي القلاع الحميري، وكان هو وأبوه ذو القلاع في جيش معاوية رضى الله عنه، وقد استشهد والده في هذه المعركة، ويدور القتال الشديد بين الفريقين من الصباح إلى المساء، ويتساقط القتلى والشهداء ويكثر الجرحى دون أن تكون الغلبة لأحد الفريقين، وفي اليوم السابع يخرج للمرة الثانية الأشتر النخعي على مجموعة من جيش العراق، ويخرج على جيش الشام حبيب بن مسلمة الذي قد خرج له في المرة الأولى وفي مساء هذا اليوم تبين أن استمرار هذا الأمر، من إخراج فرقة تتقاتل مع الفرقة الأخرى دون أن يكون النصر لأحد سيأتي على المسلمين بالهلاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى