مقال

الإمام جعفر الصادق ” جزء 2″

الإمام جعفر الصادق ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام جعفر الصادق، وكانت نفس جعفر الصادق هادئة تميل إلى البحث والتأمل وتطيل النظر والتفكير، فكسبه بذلك ميدان العلم وحقق فيه من الشهرة وذيوع الصيت ما لم ينله كبار القادة والفاتحين، وكما اتصل بابن شهاب الزهري أحد فحول العلم وتتلمذ على يديه، ومن شيوخه في الحديث عبيد الله بن أبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح ، ومحمد بن المنكدر، كما رحل إلى العراق طلبا للعلم، وكانت له عناية بالفقه وشغف باختلاف الفقهاء، ومعرفة مناهجهم، وتطلب ذلك منه معرفة واسعة بعلوم القرآن والحديث، والناسخ والمنسوخ، وكان لجعفر الصادق معرفة واهتمام بالكيمياء، واشتغل بها وبغيرها من العلوم الكونية الأخرى كالفلك وعلم الحيوان وعلم الأرض، وقيل أن جابر بن حيان عالم الكيمياء المعروف تتلمذ عليه.

 

وقد عاش جعفر الصادق بعيدا عن غمار السياسة والدخول في متاعبها والاصطلاء بنارها، وهذا ما يفسر أنه ظل بعيدا عن اضطهاد الأمويين والعباسيين لبعض رجال آل البيت، ممن تطلعت نفوسهم إلى منصب الخلافة وحاولوا نيلها بالقوة والسلاح، وعاش مكرما مبجلا على الرغم من شيوع الفتن والدسائس في عصره، ولم ينجرف إلى مناهضة الحكام حين حاول بعض الدعاة إغراءه، وقيل عنه ما تعرض للإمامة قط، ولا نازع أحدا في الخلافة، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، وعلى الرغم من إعراضه عن تلك الحياة القلقة وركونه إلى ما هو أبقى وأخلد، فإن أبا جعفر المنصور الخليفة العباسي كان يتوجس منه خيفة لما رأى من التفاف الناس حوله وتقديرهم لعلمه ومكانته، ويبث من حوله العيون التي ترصد حركاته وسكناته.

 

لكن الإمام الصادق كان بعيدًا عن كل شبهة، لا هم له سوى العلم والعبادة، وكان الصادق من الأئمة المجتهدين الذين يستخرجون الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة غير تابعين لأحد في اجتهادهم، وكان صاحب منهج أصولي لاستنباط الأحكام، ومن مبادئه في التشريع أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد فيها نهي، وكان لا يأخذ بالقياس، لأنه رأي، وإنما يرجع إلى ما ورد في الأصل من الكتاب والسنة، وقد تتلمذ على جعفر الصادق كثير من الأئمة الكبار، وفي مقدمتهم الإمام أبو حنيفة النعمان، وكان الإمام جعفر ثقة عند أهل الحديث يقبلون حديثه، وثقه الشافعي ويحيى بن معين وغيرهما، ويصفه ابن حبان بقوله كان من سادات أهل البيت فقها وعلما وفضلا، يحتج بحديثه من غير رواية أولاده عنه، وأخرج له مسلم في صحيحه، وأصحاب السنن الأربعة.

 

أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وكان جعفر يجل الصحابة أجمعين ويرفض سب أبي بكر وعمر، فيروي سالم بن أبي حفصة، وهو راوى صدوق، قال سألت أبا جعفر وابنه جعفر عن أبي بكر وعمر، فقال يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى، ثم قال جعفر يا سالم أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما، وأبرأ من عدوهما، وكان للصادق عشرة أولاد هم إسماعيل، و إليه ينسب المذهب الاسماعيلي وعبد الله وأم فروة، وأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وموسى بن جعفر وإسحاق ومحمد وأمهم أم ولد أسمها حميدة، والعباس وعلي وهو المعروف بالعريضي، وأسماء وفاطمة لأمهات شتى.

 

وكان الإمام جعفر من أعظم الشخصيات ذوي الأثر في عصره وبعد عصره، وجمع إلى سعة العلم صفات كريمة اشتهر بها الأئمة من أهل البيت، كالحلم والسماحة والجلد والصبر، فجمع إلى العلم العمل وإلى عراقة الأصل كريم السجايا، وظل مقيما في المدينة ملجأ للناس وملاذا للفتيا، ومرجعا لطلاب العلم حتى توفي في شهر شوال من سنة مائة وثماني وأربعين من الهجرة، ودفن في البقيع مع أبيه وجده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى