مقال

الدكروري يكتب عن غزوة فتح مكة “جزء 9”

الدكروري يكتب عن غزوة فتح مكة “جزء 9”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع غزوة فتح مكة، وتذكروا صاحبهم الذي كان سيدا له وكان بلال عبدا عندهم قبل الإسلام، واليوم يظهره الله ويصعد فوق الكعبة مؤذنا، فيما هم يجلسون صاغرين في انتظار العفو أو الموت، ومن هذا التاريخ ظل النداء يتردد بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، داعيا الناس للفلاح وخير العمل وهي الصلاة، وبعد أن فرغ صلى الله عليه وسلم من طوافه ولما خرج النبي صلي الله عليه وسلم من الكعبة، كانت قريش قد ملأت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا يصنع، فأخذ بعضادتي الباب وهم تحته، فكبر النبي صلي الله عليه وسلم ثلاثا ثم قال “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ، ثم أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه، وجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو.

 

ثم دعا بعثمان بن طلحة الذي كان يحمل مفاتيح الكعبة فأخذها منه، وأمر بالكعبة ففتحت فدخلها، وأزال منها آثار الوثنية التي صنعها بها المشركون، وصلي بها ركعتين ‏‏ ثم دار فيها، وكبر في نواحيها ووحد الله، ثم خرج ووقف على بابها وخطب الناس فقال‏‏ “‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية‏ ‏”يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير‏” فإذا كانت قريش كانت ترى في الجاهلية أنها فوق العرب بمجاورتها للبيت الحرام، وإذا كان بعض الناس يرى نفسه بما أوتيه من مال أعلى من منازل باقي الناس.

 

فإن الإسلام جعل الناس على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وجنسياتهم وحالاتهم المادية سواسية، لأنهم جميعا يرجعون في النسب إلى أب واحد، والله لم يفرق بينهم في أسلوب المعاش إلا ليتعاونوا ويتبادلوا المنافع، وأما في الآخرة فالمقياس الوحيد لمنازل الناس هو التقوى، وقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية ” لا حلف في الإسلام، وما كان من حلف الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده إلا شدة والمؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم، كما يبين صلى الله عليه وسلم فيها أنه ” لا يُقتل مؤمن بكافر، دية الكافر نصف دية المسلم، لا جلب، أي بصرف النظر عن الصياح ولا جنب في الرهان، وغيرها من مظاهر العدل” رواه مسلم، واستطاع صلى الله عليه وسلم بوحي الله أن يزيل الفوارق بين الناس على اختلاف طبقاتهم.

 

وصار أبو سفيان سيد الوادي وبلال بن رباح العبد الحبشي سواء، بل صار بلال بسبقه إلى الإسلام مقدما على أبي سفيان وغيره، ثم استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استقر به الأمر بمكة مشركي أهلها الذين اصطفوا حوله، وقال لهم ” يا معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم؟ ” قالوا خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال “اذهبوا فأنتم الطلقاء” هذا هو الإجراء الذي اتخذه النبي العفو الصفح السمح تجاه أناس استعملوا في صده عن سبيل الله كل ما أوتوه من قوة، إنه إجراء لا يتخذه إلا العظماء الذين لا تستفزهم الأحداث، ولا يضمرون مثقال ذرة من غيظ لأحد، وفي اليوم الثاني من دخوله مكة سمع أن خزاعة عدت على رجل مشرك من بني بكر، كان قد قتل منهم رجلا عظيما في الجاهلية، قتله غيلة وهو نائم، فغضب غضبا شديدا.

 

وقال لخزاعة ” لقد قتلتم رجلا لأدينه ” ودفع ديته مائة من الإبل، ثم قال صلى الله عليه وسلم محذرا ” فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخيار الأمرين، إن شاءوا قدم قاتله وإن شاءوا فعقله ” وقال ” إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم،أو قتل غير قاتله، أو قتل بذحول الجاهلية، وبعد فراغه صلى الله عليه وسلم من حديثه قال”أين عثمان بن طلحة” ؟ فدُعي له فقال”هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء” ثم ناداه بعد ذلك، وقال له ألم يكن الذي قلت لك؟ وذكر أنه طلب منه قبل الهجرة أن يدخله الكعبة فرفض، فقال له صلى الله عليه وسلم لعلك سترى هذا المفتاح في يدي أضعه حيث شئت، فقال عثمان، بلى، أشهد أنك رسول الله، وفي رواية أخرى أنه قال ” خذوها خالدة مخلدة، إنّي لم أدفعها إليكم، ولكن الله سبحانه وتعالى دفعها إليكم، ولا ينزعها منكم إلا ظالم “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى