مقال

الدكروري يكتب عن ماذا يفيد الإنسان بعد موته؟ ” جزء 1″

الدكروري يكتب عن ماذا يفيد الإنسان بعد موته؟ ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الإنسان مهما طال عمره فلا بد له من يوم يفارق فيه الحياة، ومهما ملك الأموال والقصور فلا بد له من زيارة القبور ومهما طال الليل فلا بد له من طلوع الفجر ومهما طال العمر فلا بد من دخول القبر، فلا بد من اليوم الذي ستلقى فيه ربك وتخرج فيه روحك وتعرض عليك أعمالك وإن الإنسان إذا مات انقطع عمله فلا ينفعه هناك سوى عمله الذي قدمه إن كان خيرا فخير و إن كان شرا فشرا، ومن الأمور الخطيرة أن يوصي الميت في حال حياته بوصية ظالمة جائرة تسمى وصية الضرار مثل أن يوصي لزوجته بكذا وكذا من المال أو يوصي لأحد أولاده بالدار الفلانية أو نحو ذلك أو يوصي فيقول زوجتي فلانة ليس لها شيء من الدار أو ما أشبه ذلك، وهذا إذا فعله الإنسان فهو دليل على سوء خاتمة وهذا العمل من الكبائر كما جاء ذلك عن السلف.

وبعض الناس واقعون في مثل هذا العمل، فهى من الأمور التي ينبغي أن ننبه إليها فهى من المخلفات السيئة التي خلفها الإنسان بعد موته، وإن من الناس من يموت ولا يكون له أي آثار من أعمال صالحة، بل تطوى صحيفة حسناته بموته، ومن الناس من يوفق فيكون له آثار من أعمال صالحة وهو في عداد الأموات، لكن ثوابها وأجرها يجري له من صدقة جارية أنفذها في حياته، أو علم يُنتفع بها بقيت آثاره بعد مماته، أو دعاء ولد صالح، وكل الناس يتمنون أن يكون لهم آثار من أعمال صالحة يجري ثوابها لهم بعد مماتهم، ولكن بعض الناس يُؤتى من جهة التفريط والإمهال، وطول الأمل حتى يبغته الموت، أو يبغته مرصد الموت، فلا يستطيع حينئذ أن يقدم ما كان يتمناه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم “وما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين له شيء يريد أن يوصي به.

إلا وصيته مكتوبة عند رأسه” وقال ابن عمر رضي الله عنها “ما بت ليلة إلا وصيتي مكتوبة عند رأسي” وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم، وفي هذا الحديث العظيم يبين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن عمل الإنسان ينقطع بالموت، فإن من مات فقد انقطع عن دار العمل، وانتقل إلى دار الجزاء والحساب، ولذلك فإن الحياة فرصة عظيمة للأحياء في أن يعملوا، وأن يتزودوا بالأعمال الصالحة، فرصة لأن ينيبوا إلى الله عز وجل ويرجعوا إليه، وفي هذا الحديث العظيم يخبر النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأن أمورا ثلاثة لا تنقطع بالموت، وإنما يجري للإنسان أجرها وثوابها بعد موته.

نعم إن الموت تنقطع به الأعمال، لكن هذه الأمور الثلاثة لا تنقطع بالموت، وهى صدقة جارية، والصدقة الجارية هي الوقف والتسبيل في أمور الخير، فما وقفه المسلم لله عز وجل فهو من الصدقة الجارية التي يستمر ثوابها له بعد مماته، ومما يستمر أجره وثوابه للميت بعد موته “علم يُنتفع به” والمراد بهذا العلم، العلم المستمد من كتاب الله وسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ويكون توريثه بالتعليم والتأليف والنشر، ونحو ذلك، وكلما كان العلم أكثر نفعا وأوسع انتشارا، كلما كان أعظم ثوابا وأجرا، ويدخل في ذلك من دعا إلى هدى، فإن له مثل أجر من تبعه، ولو كان ذلك بعد وفاته، ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ” وثالث الأعمال التي لا نتقطع بالموت “دعاء الولد الصالح”

وهنا نقف وقفة مع هذا الأمر كيف اعتبره النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عملا للإنسان وكسبا مع أن الدعاء من عمل شخص آخر وهو الولد؟ وقال أهل العلم إن الولد يعتبر من كسب الإنسان، وفي هذا دليل على أنه ينبغي للمسلم أن يسعى لطلب الولد عن طريق الزواج ، فان الزواج من سنن المرسلين، وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء” ثم إنه ينبغي بعدما يرزقه بالولد أن يسعى في إصلاحه وتربيته، وذلك ببذل أسباب الهداية، وفي هذا الحديث دليل على أن دعاء الولد الصالح لوالديه ينفعهما بعد مماتهما، وأن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة وهي مجمع عليهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى