مقال

الدكروري يكتب عن الإمام شمس الدين الذهبي ” جزء 2″

الدكروري يكتب عن الإمام شمس الدين الذهبي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام شمس الدين الذهبي، وانتهز فرصة وجوده هناك فسمع الحديث من شيوخ مكة والمدينة، ورغم أن تركيز الإمام الذهبي الرئيسي انصبّ على الحديث، فقد درس النحو والعربية على الشيخ ابن أبي العلاء النصيبي، وبهاء الدين بن النحاس إمام أهل الأدب في مصر، واهتم كذلك بدراسة المغازي والسير والتراجم والتاريخ العام، فسمع من شيخ الإسلام ابن تيمية، وجمال الدين أبي الحجاج المزيش، والقاسم البرزالي المزداد، وقد جمع بين هؤلاء الأعلام طلب الحديث، وميلهم إلى آراء الحنابلة، ودفاعهم عن مذهبهم، ويذكر الإمام الذهبي أن البرزالي هو الذي حبب إليه طلب الحديث، وكان أشهر مؤلفاته هما كتابان، أولهما هو تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، وهو أكبر كتب الإمام الذهبي وأشهرها.

 

تناول فيه تاريخ الإسلام من الهجرة النبوية حتى سنة سبعمائة من الهجرة، وهي فترة مدتها سبعة قرون، رغم تناول البعض التاريخ البشري كاملا كالحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، والنويري في كتابه نهاية الأرب في فنون الأدب ولكن اتساع النطاق المكاني الذي شمل العالم الإسلامي بأسره ميزه بالإضافة إلى أسبقيتة على تلامدته كابن كثير، وتضمن هذا العمل الفذ الحوادث الرئيسية التي مرت بالعالم الإسلامي، وتعاقب الدول والممالك، مع تراجم للمشهورين في كل ناحية من نواحي الحياة دون اقتصار على فئة دون أخرى، ويبلغ عدد من ترجم لهم في هذا الكتاب الضخم أربعين ألف شخصية، وهو ما لم يتحقق في أي كتاب غيره، وبعد أن أنهى الإمام الذهبي رحلاته في طلب العلم والاخذ عن ما يزيد عن الألف من العلماء، اتجه إلى التدريس.

 

وعقد حلقات العلم لتلاميذه، وانغمس في التأليف والتصنيف، وبدأت حياته العلمية في قرية “كفر بطنا” بغوطة دمشق حيث تولى الخطابة في مسجدها سنة سبعمائة وثلاثة من الهجرة، وظل مقيما بها إلى سنة سبعمائة وثماني عشر للهجرة، وفي هذه القرية ألف الإمام الذهبي خيرة كتبه، وتعد الفترة التي قضاها بها هي أخصب فترات حياته إنتاجا، ثم تولى مشيخة دار الحديث بتربة أم صالح، وكانت هذه الدار من كبريات دور الحديث بدمشق، تولاها سنة سبعمائة وثماني عشر للهجرة، وكان ذلك بعد وفاة شيخها كمال الدين بن الشريشي، واتخذها سكنا له حتى وفاته، ثم أضيفت إليه مشيخة دار الحديث الظاهرية سنة سبعمائة وتسع وعشرون من الهجرة، ومشيخة المدرسة النفيسية سنة سبعمائة وتسع وثلاثون من الهجرة، بعد وفاة البرزالي، ومشيخة دار الحديث.

 

والقرآن التنكزية في السنة نفسها، وقد أتاحت له هذه المدارس أن يدرس عليه عدد كبير من طلبة العلم، ووفد عليه لتلقي العلم كثيرون من أنحاء العالم الإسلامي بعد أن اتسعت شهرته وانتشرت مؤلفاته، ورسخت مكانته لمعرفته الواسعة بالحديث وعلومه والتاريخ وفنونه، فكان مدرسة قائمة بذاتها، تخرج فيها كبار الحفاظ والمحدثين، وتزخر كتب القرن الثامن الهجري بمئات من تلاميذ الذهبي النجباء، وحسبه أن يكون من بينهم الحافظ ابن كثير وعبد الوهاب السبكي صاحب طبقات الشافعية الكبرى، وصلاح الدين الصفدي، وابن رجب الحنبلي وغيرهم، وقد ترك الإمام الذهبي إنتاجا غزيرا من المؤلفات بلغ أكثر من مائتي كتاب، شملت كثيرا من ميادين الثقافة الإسلامية، فتناولت القراءات والحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله والعقائد والرقائق.

 

غير أن معظم مؤلفاته في علوم التاريخ وفروعه، ما بين مطول ومختصر ومعاجم وسير، وثلث هذا العدد مختصرات كتبها الإمام الذهبي لأمهات الكتب التاريخية المؤلفة قبله، فاختصر تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ نيسابور لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وتاريخ مصر لابن يونس، وكتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري، وأسد الغابة لابن الأثير، وقد حصر شاكر مصطفى الكتب التي اختصرها الذهبي في ثلاثة مائة وسبع وستون عملا، وإلى جانب هذه المختصرات لهُ كتب في التاريخ والتراجم وإليك بعضها مرتبة على تاريخ تأليفها منها كتاب تاريخ الإسلام، وقد فرغ من إخراجه الأول سنة سبعمائة وأربعة عشر للهجرة، وبيض المائة الثانية منه أو قسما منها سنة سبعمائة وست وعشرون للهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى