مقال

الدكروري يكتب عن الإمام شمس الدين الذهبي ” جزء 6″

الدكروري يكتب عن الإمام شمس الدين الذهبي ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع الإمام شمس الدين الذهبي، فجاء في أول معجم شيوخه، أما بعد، فهذا معجم العبد المسكين محمد بن أحمد إبن الذهبي، ويبدو أنه اتخذ صنعة أبيه مهنة له في أول أمره، لذلك عرف عند بعض معاصريه بالذهبي، مثل الصلاح الصفدي، وتاج الدين السبكي، والحسيني، وعماد الدين ابن كثير، وغيرهم فأصل نسبته الذهبي إلى الذهب وتخليصه وإخراج الغش منه، وقد صار الإمام الذهبي بحق ذهبي عصره، كما شهد بذلك معاصروه ومن جاء بعدهم، وطلب الذهبي العلم صغيرا، وتوجهت عنايته إلى ناحيتين رئيستين هما القراءات، والحديث الشريف، فشرع في طلب الحديث سنة ستمائة وتسعون للهجرة، وعمره ثماني عشر سنة، ووقف حياته على العلم حتى توفى رحمه الله، وعني بالقراءات، والتاريخ والحديث واهتم به اهتماما خاصا.

 

وأخذ عن شيوخ بلده، وعن غيرهم، ورحل الإمام الذهبي في طلب العلم داخل البلاد الشامية إلى حلب، وبيت المقدس والرملة ونابلس، وبعلبك، وطرابلس، وحمص وحماه ونابلس والرملة، كما كان للذهبي رحلاته العلمية داخل البلاد المصرية، وكانت من أبرز رحلاته المبكرة، ويبدو أنه وصل إلى مصر في السادس عشر من رجب سنة ستمائة وخمس وتسعون للهجرة فرحل إلى القاهرة، والإسكندرية، ودمياط، وسمع بمصر من جماعة كبيرة، من أشهرهم ابن دقيق العيد والعلامة شرف الدين الدمياطي، وقرأ على صدر الدين سحنون ختمة لورش وحفص، وكان الذهبي يجهد نفسه في قراءة أكبر كمية ممكنة على شيوخ تلك البلاد، وفي سنة ستمائة وثماني وتسعون للهجرة، رحل الذهبي للحج، وكان يرافقه في حجه جماعة من أصحابه وشيوخه.

 

منهم شيخ دار الحديث بالمدرسة المستنصرية ابن الخراط الحنبلي وقد سمع بمكة، وعرفة، ومنى والمدينة من مجموعة من الشيوخ، هذا وقد سمع الذهبي ما يتعذر عده من الكتب وأخذ عنه الصغار والكبار، حتى صدق عليه قول تاج الدين السبكي، وسمع منه الجمع الكثير، وما زال يخدم هذه الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار، وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال، وأقام بدمشق يُرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السؤالات من كل ناد وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهى به الدنيا وما فيها، طورا تراها ضاحكة عن تبسم أزهارها، وقهقهة غدرانها، وتارة تلبس ثوب الوقار والفخار بما اشتملت عليه من إمامها المعدود في سكانها.

 

وكانت دراسته وسماعاته متنوعة لم تقتصر على القراءات والحديث، فقد عني بدراسة النحو، فسمع الحاجبية في النحو على شيخه بن أبي العلاء النصيبي البعلبكي، ودرس على شيخ العربية، وإمام أهل الأدب في مصر آنذاك ابن النحاس إضافة إلى سماعه لعدد كبير من مجاميع الشعر واللغة والآداب، واهتم بالكتب التاريخية، فسمع عددا كبيرا منها على شيوخه، في المغازي، والسيرة، والتاريخ العام، ومعجمات الشيوخ والمشيخات، وكتب التراجم الأخرى، ونستطيع القول من دراسة كتب الذهبي واهتماماته أنه عني بالعلوم الدينية عموما، والعلوم المساعدة لها كالنحو واللغة والأدب والشعر، كما أنه اطلع على بعض الكتب الفلسفية ونشك أنه درس كتبا في العلوم الصرفة لعدم اعتقاده بجدواها وقد تولى الذهبي في سنة سبعمائة وثلاثة الخطابة بمسجد كفر بطنا.

 

وهي قرية بغوطة دمشق، وكما تولى كبريات دور الحديث بدمشق في أيامه، لما وصل إليه من المعرفة الواسعة في هذا الفن، فولي دار الحديث الظاهرية، كما تولى تدريس الحديث بالمدرسة النفيسية وإمامتها عوضا عن شيخه البرزالي سنة سبعمائة وتسع وثلاثون وباشر الذهبي مشيخة الحديث بدار الحديث والقرآن التنكزية نفس العام، وقد بلغ شيوخ الذهبي الذين أخذ عنهم في القراءات السبع والحديث والسيرة، وغيرها عددا كبيرا، فأجاز له أبو زكريا ابن الصيرفي، وابن أبي الخير، والقطن ابن عصرون، والقاسم بن الأربلي، وسمع الذهبي من أحمد بن هبة الله بن عساكر، وابن دقيق العيد، والحافظ أبي محمد الدمياطي، وغيرهم، وقد ذكر في معجم شيوخه ثلاثمائة وألف شيخ، ومن أشهر تلاميذه صلاح الدين الصفدي، الحافظ ابن كثير، تاج الدين السبكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى