مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 5″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام إبن مجاهد، وفي عهد أبي بكر الصديق كتب القرآن كله على الترتيب الذي تلقاه هو ومن معه من الحفظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفس الألفاظ ونفس الحروف ونفس الصورة في العرضة الأخيرة التي تدارس فيها الرسول القرآن مع جبريل عليه السلام بعد تمامه، ثم جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان في مصحف واحد اقتصر على حرف واحد من الأحرف السبعة وهو حرف قريش، وكتب عدة نسخ منه أرسلت إلى الأمصار، وأمر عثمان بإحراق ما عدا هذه المصاحف، وأن يلتزم القراء بما جاء في مصحفه ويطرحوا ما عداه، وتلقت الأمة ذلك بالطاعة والقبول، وتركت القراءة بالأحرف الستة الأخرى، بين جمع الصديق وجمع ذي النورين اختلف الجمعان في الباعث والكيفية، فالباعث لدى أبي بكر رضى الله عنه.

 

لجمع القرآن كان خشية ذهابه باستشهاد كثير من حملة القرآن في معركة اليمامة، في حين كان الباعث لدى عثمان بن عفان كان كثرة الاختلاف في وجوه القراءة، وكاد الأمر يتحول إلى فتنة تعصف بالمسلمين، وكان جمع أبي بكر للقرآن نقلا لما كان مفرقا في الرقاع وأكتاف الإبل، وجمعا له في مصحف واحد مرتب الآيات والسور، ومشتملا على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، في حين كان جمع عثمان للقرآن الكريم نسخا له على حرف واحد من الحروف السبعة حتى يجمع المسلمين على مصحف واحد، وحرف واحد يقرءون به دون ما عداه من الأحرف الأخرى، حيث رأى أن القراءة بالأحرف السبعة كانت لرفع الحرج ودفع المشقة في بداية الإسلام، وقد انتهت الحاجة إليه، وترجح جمع الناس على حرف واحد وهو لغة قريش، حسما للاختلاف في القراءة.

 

وقد وافقه الصحابه على ذلك فكان ذلك إجماعا منهم، السماع والمشافهة أساس القراءة مضى الصحابة يتلون القرآن كما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم أثناء صحبتهم له، وذكر الذهبي في كتابه طبقات القراء أن المشتهرين بإقراء القرآن من الصحابة سبعة عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وقرأ على أبي بن كعب جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب، وعن هؤلاء الصحابة الأجلاء وأمثالهم من حملة القرآن رواه بقراءاته التابعون ونصب أعينهم المصحف العثماني، وتقيدوا بما تلقوه شفاهة من الصحابة حرفا حرفا وحركة وسكونا، واشتهر منهم في كل مصر من الأمصار جماعة كانوا يقرئون الناس ويأخذون القراءة عنهم عرضا آية آية وكلمة كلمة وشكلة شكلة.

 

كان منهم في المدينة سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وابن شهاب الزهري، وعمر بن عبد العزيز، وفي مكة مجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس، وعكرمة، وفي الكوفة الأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وعمرو بن شرحبيل وكلهم من تلاميذ ابن مسعود، وأبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب وهو أول من أقرأ الناس بالكوفة القراءة التي جمع عثمان الناس عليها، وسعيد بن جبير، والشعبي، وفي البصرة الحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، ويحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم، وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وفي الشام المغيرة بن أبي شهاب المخزومي الذي أخذ القراءة عن عثمان، وحليد بن سعيد الذي أخذ القراءة عن أبي الدرداء، والقراءة هي علما وتكاثر في كل مصر من هذه الأمصار.

 

خلفاء هذا الجيل الأول من التابعين، تجردوا للقرآن واعتنوا بضبط القراءة عناية تامة، وجعلوها علما مثل العلوم الشرعية الأخرى، وصاروا أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم الطلاب لتعلم القرآن وقراءاته، حيث كانت كل جماعة منهم تقرأ القرآن حسبما تلقته من الأسلاف، وتستقر على الوجه الذي تعلمته لا تكاد تتعداه، فاختلفت قراءات الأخلاف باختلاف قراءات الأسلاف من الصحابة لكن ضمن لغة قريش التي كتب بها مصحف عثمان، وقد اشتهر من هذا الجيل أبو جعفر يزيد بن القعقاع ونافع في المدينة، ومحمد من عبد الرحمن محيص وعبد الله بن كثير في مكة، وعيسى بن عمر الثقفي والحسن البصري وعاصم الحجدري وأبو عمرو بن العلاء في البصرة، وعاصم بن أبي النجود، والأعمش سليمان من مهران، وحمزة، والكسائي في الكوفة، وعبد الله بن عامر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى