مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 6″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع الإمام إبن مجاهد، وفي هذه الفترة، أي منذ القرن الثاني الهجري نهض علماء القراءات يؤلفون كتبا في قراءة كل إمام نابه أو في قراءات الأئمة المختلفين، محاولين ضبط قراءة كل إمام وتمييزها بجميع خصائصها عن غيرها من حيث الإدغام والإمالة والتسهيل والإظهار والإخفاء وغيرها من مصطلحات علم القراءات، وبمرور الوقت تكاثر عدد حملة القراءات القرآنية، وتعددت طرق القراءة، حتى وصلت إلى نحو خمسين قراءة، وأوشك أن يكون ذلك بابا لدخول شيء من الاضطراب على ألسنة القراء، وكان فيهم المتقن المجيد، وكان فيهم غير المتقن الذي قد يعتريه النسيان، وكان هذا الاختلاف مدعاة إلى أن يتجرد عالم من علماء القراءات ليقابل بين القراءات الكثيرة التي شاعت في العالم الإسلامي.

 

ويستخلص فيها للأمة القراءات الصحيحة المتواترة حتى لا يتفاقم الأمر ويلتبس الباطل بالحق، وتصبح قراءة القرآن فوضى، لكل إنسان أن يقرأ حسب معرفته بدون بصر تام بوجوه القراءة وأصولها وقد نهض بهذا العبء الكبير ابن مجاهد، فاختار بعد بحث وموازنة وترجيح سبعة من أئمة القراءات حمل الناس على اتباع طريقتهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وهذا هو الإمام المقرئ المحدث النحوي شيخ المقرئين أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي ، مصنف كتاب ” السبعة ” وقد ولد سنة مائتين وخمس وأربعون من الهجرة، وسمع من سعدان بن نصر والرمادي ومحمد بن عبد الله المخرمي ومحمد بن إسحاق الصاغاني وعبد الله بن محمد بن شاكر وطبقتهم، وتلا على قنبل وأبي الزعراء بن عبدوس وأخذ الحروف عرضا عن طائفة.

 

وانتهى إليه علم هذا الشأن وتصدر مدة، وقرأ عليه خلق كثير منهم عبد الواحد بن أبي هاشم، أبو عيسى بكار والحسن المطوعي وأبو بكر الشذائي وأبو الفرج الشنبوذي وأبو أحمد السامري وأبو علي بن حبش وأبو الحسين عبيد الله بن البواب ومنصور بن محمد القزاز، وحدث عنه ابن شاهين والدارقطني وأبو بكر بن شاذان وأبو الكتاني وأبو مسلم الكاتب وعدة، وقال أبو عمرو الداني فاق ابن مجاهد سائر نظائره مع اتساع علمه وبراعة فهمه وصدق لهجته، وظهور نسكه، وتصدر في حياة محمد بن يحيى الكسائي، وقال ابن أبي هاشم قال رجل لابن مجاهد لم لا تختار لنفسك حرفا ؟ قال نحن إلى أن تعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا أحوج منا إلى اختيار، وقيل كان ابن مجاهد صاحب لطف وظرف يجيد معرفة الموسيقى، وكان في حلقته من الذين يأخذون على الناس أربعة وثمانون مقرئا.

 

وتوفي في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، ومات مع ابن مجاهد، علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي، وأبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وأحمد بن الحافظ بقي بن مخلد، ومحمد بن الربيع بن سليمان الجيزي وعبد الله بن محمد بن نصر المديني، وأصحاب القراءات السبعة هم أولا قراءة نافع وهي لنافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، أصله من أصفهان، كان عالما بوجوه القراءات والعربية، وهو إمام المدينة في القراءة، وكان إذا تكلم يُشم من فمه رائحة المسك، فقيل له أتتطيب كلما جلست للإقراء؟ فقال لا أمسّ طيبا، ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقرأ في فيّ، وقد أشار إلى هذا صاحب الشاطبية بقوله فأما الكريم السر في الطيب نافع فذاك الذي اختار المدينة منزلا وقد قرأ نافع على سبعين من التابعين، منهم أبو جعفر يزيد بن القعقاع.

 

وتوفى بالمدينة سنة مائة وتسع وستون من الهجرة، وراوياه هما قالون وهو عيسى بن منيا، وقالون لقب له، يروى أن نافعا لقبه به لجودته في القراءة، وقالون بلسان الروم جيد، وكان أصم لا يسمع البوق، فإذا قرئ عليه القرآن سمعه، وقد ولد سنة مائة وعشرون من الهجرة، ومات بالمدينة سنة مائتين وعشرون من الهجرة، وأيضا قراءة “ورش” وهو أبو سعيد عثمان بن سعيد المصري، ولقبه شيخه نافع بورش لشدة بياضه، ولد بمصر سنة مائة وعشرة من الهجرة، ثم رحل إلى نافع بالمدينة فقرأ عليه، ثم عاد إلى مصر وأقام بها، وأقرأ الناس مدة طويلة، حتى توفي سنة مائة وسبع وتسعين من الهجرة، وثانيا قراءة ابن كثير، وهو عبد الله بن كثير بن عبد المطلب القرشي، إمام أهل مكة في القراءة، ولد بها سنة خمسة وأربعون من الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى