مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن دقيق العيد ” جزء 5″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن دقيق العيد ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام إبن دقيق العيد، فيقول ” ونؤمن بأن كل ما جاء به من عند الله تعالى حق وصدق من انفطار السماء وانكدار النجوم وتكوير الشمس وزوال هيئة العالم وانتقال الخليقة بأجسامهم إلى دار الآخرة حيث قال تعالي ” ليروا أعمالهم فمن يعمل مثال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” ووقوفهم للحساب، ووزن أعمالهم، وجوازهم على الصراط، واستقرارهم في دار النعيم وهي الجنة، أو دار العذاب وهي النار، كل ذلك راجع إلى أمور محسوسة في الجنة والنار من النعيم والعذاب، وكل ما ورد في القرآن الكريم وصحّت به الرواية عن رسول الله صلي الله عليه وسلم آمنا به على ظاهره إذا كان ظاهره جائزا عقلا، ونؤمن بعذاب القبر ونعميه، ومُسائلة الملكين عن الإيمان، والصّور والنفخ فيه لرد الأرواح إلى الأجساد.

 

وبجميع ما صح من أشراط الساعة على وجهه وحقيقته، كنزول عيسى بن مريم صلى الله عليه، وقتله الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، ودابة الأرض ونتولى جميع أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فلا نسب أحدا منهم، ولا نضمر لهم كراهة ولا نقصا ليس منهم، ونعرف لهم سوابقهم وفضائلهم ونصرهم لدين الله تعالى، وتمهيدهم الإسلام إلى يوم الدين، فلا لسان ينطق بالشهادتين بعدهم ولا ضمير يشتمل على خصلة من خصال الإيمان إلا وهو في جملة حسناتهم لتأسيس القواعد لهم، ولأنه “من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة” والإيمان أفضل الحسنات وأعظم السنن، ولا بلد ولا مسجد يُذكر فيه اسم الله تعالى إلا ولهم في ذلك نصيب من الأجر، وما نقل فيما شجر بينهم واختلفوا فيه فمنه ما هو باطل وكذب فلا التفات إليه.

 

وما كان منه صحيحا أوّلناه على أحسن التأويلات وطلبنا له أجود المخارج لأن الثناء عليهم من الله سابق، وما يُنقل يحتمل التأويل، والمشكوك لا يُبطل المعلوم، ونعتقد صحة إمامة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين، لم يقم منهم أحد في مقام الخلافة إلا بحق ووجه شرعي لا ظلم فيه ولا حيد ولا حيف ولا غصب، وسئل مالك رضي الله عنه عن الأفضل بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال “أبو بكر وعمر، أو في ذلك شك؟” وعلى هذا أئمة الفتوى وأكابر أصحاب الحديث المتسمين بالسنة، ونعتقد أن الآجال التي علم الله بوقتها لا تتقدم ولا تتأخر عما علمه، فلا نقطع أجل أحد عن الوقت الذي علم الله تعالى وقوعه فيه، ونرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على من قدر عليه، وعلم المعروف والمنكر.

 

ولم يخف على نفسه ضررا شديدا يشق عليه احتماله، والله الموفق للعصمة، ولا رب غيره، وقيل عنه أنه مجدد المائة، فقد روى أبو داوود رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” وقد اتفقت الكلمة واتحدت عند العلماء المعاصرين لابن دقيق العيد بأنه مجدد تلك المائة، والإمام المقدم بالعلم والفتوى والزهد والقضاء، وحينما توفي قاضي القضاة في مصر، وهو التقي عبد الرحمن ابن بنت الأعز، وخلا بموته هذا المنصب وذلك في عهد السلطان منصور بن لاجين أشار أحد المقربين إلى هذا السلطان قائلا ألا أدلك على محمد بن إدريس الشافعي، وسفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم؟ قال له نعم، قال عليك بابن دقيق العيد، ويذكر عدد كبير من المؤخرين أن ابن دقيق العيد.

 

كان على رأس المائة السابعة الذي حدد للأمة أمر دينها بعلمه الغزير واجتهاده الواسع، وشهد له معاصروه بالسبق والتقدم في العلم، فقد كان ضليعا في جميع العلوم اللغوية والشرعية والعقلية، ويؤكد السبكي ذلك فيقول ولم ندرك أحدا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة، المشار إليه في الحديث النبوي، وأنه أستاذ زمانه علما ودينا، ولما عزل نفسه من القضاء، ثم طلب ليولى، قام له السلطان المنصور لاجين لما أقبل، فأبطأ المشي، فجعلوا يقولون له السلطان واقف، فيقول أديني أمشي، وجلس معه على الجوخ حتى لا يجلس دونه، وقبل السلطان يده فقال له تنتفع بهذا، ويذكر له وهو في منصبه أن رفض قيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون بجمع المال من الرعية لمواجهة التتار، معتمدا على الفتوى التي أصدرها العز بن عبد السلام بجواز ذلك أيام سيف الدين قطز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى