مقال

الدكروري يكتب عن وقفة مع النفس ” جزء 2″

جربدة الاضواء

الدكروري يكتب عن وقفة مع النفس ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع وقفة مع النفس، فالقلب عندما يذوق طعم الإيمان يمر عليه البلاء وهو مطمئن ساكن هاديء، وأن المرء إذا أكرمه الله بنعم كثيرة لا عد لها ولا حصر في الدنيا قد يتوهم أن هذا إنما كان إكراما له، وحينما يسلبه الله النعم لحكمة منه يتوهم أن الله أهانه، ومتى ظهرت علامات الإخلاص على النفس كان دليلا على طمأنينتها وسكينتها وهو أن يكون العبد في عناية الله عز وجل ومعيته وأن يكون باذلا المجهود في الطاعة، وحريصا على إسرار الأعمال إلا على ما ينبغي إظهاره، والنفس المطمئنه هي التي اطمأنت إلى خالقها، واطمأنت في بسط الرزق وقبضه وفي المنع والعطاء وهي النفس المؤمنة التي استوعبت قدرة الله، وتبلور فيها الإيمان العميق والثقة بالغيب، لا يستفزها خوف ولا حزن، لأنها سكنت إلى الله واطمأنت بذكره.

 

وأنست بقربه فهي آمنة مطمئنة، تحس بالاستقرار النفسي والصحة النفسية، والشعور الإيجابي بالسعادة، رضيت بما أوتيت ورضي الله عنها، وهناك النفس اللوامة وهى التي أقسم بها عز وجل في قوله تعالي ” ولا أقسم بالنفس اللوامة” وقد اختلف فيها، فقيل، هي التي لا تثبت على حال واحدة، وأخذوا اللفظةَ من التلوم وهو التردد، فهي كثيرة التقلب والتلون، وهي من أعظم آيات الله عز وجل، فإنها مخلوق من مخلوقاته، تتقلب وتتلون في الساعة الواحدة فضلا عن اليوم، والشهر، والعام، والعمر ألوانا متلونة، فتذكر وتغفل، وتقبل وتعرض، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتطيع وتعصي، وتتقي وتفجر، إلى أضعاف أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها، فهي تتلون كل وقت ألوانا كثيرة، وإن النفس اللوامة هي الضمير الحي الذي يحول بينك وبين الذنوب.

 

وهي السوط القوي الذي يوقظك حتى لا تلج في خضمّ الشهوات، وهي الجرس الذي ينبهك عند الاقتراب من حمى الشبهات، ومراتع السيئات، وهي السبيل الأوحد للوصول إلى النفس المطمئنة، التي لا تكون النجاة إلا بها، ولا يكون الفوز إلا بالتلبس بِزِيها، ولقد أقسم الله سبحانه وتعالى بالنفس الإنسانية لأنها أعظم ما خلق وأبدع، وجعل قسمه بها سابع قسم شمل خلق السموات والأرض، والنفس اللوامة هى نفس أبية كريمة، تلوم صاحبها على الخير والشر معا، تلوم صاحبها على الخير لماذا لم تكثر منه؟ ولماذا لم تداوم على فعل الخيرات؟ وتلوم صاحبها على الشر والمعاصي، لماذا فعلت الشر ؟ لماذا ارتكبت المعصية؟ لماذا وقعت في الذنب؟ فهي نفس كريمة، أقسم الله عز وجل بها في قرآنه الكريم، وإن اتباع هوى النفس الأمارة بالسوء يؤدي حتما إلى الفشل والتشاؤم.

 

وأما اتباع النفس المطمئنة فإنه يؤدي إلى النجاح والتفاؤل، والسبيل إلى الموازنة والتصحيح، وإعادة الإنسان إلى طبيعته الخيّرة، وهذا من الأدوار التي تقوم بها النفس اللوامة، إذ أنها تشكل صماما للوقاية، وميزانا للتقويم، والنفس اللوامة تتزكى عن طريق المجاهدة، والمحاسبة، والمراقبة، وهنا يعود صاحبها إلى الطاعة والخير بالتوبة، والذكر والاستعاذة، وغير ذلك، فحينما يذكر الإنسان الله سبحانه وتعالى، مستعينا ومستعيذا به من الوسوسة يخنس الشيطان ويهرب، وهنا يجد المرء نفسه عائدا إلى الله، وفارا إليه من هوى النفس والشيطان، فيفعل المأمورات، ويجتنب المنهيات، ويعود عضوا صالحا في المجتمع، ونتذكر دائما أن يوم الحساب، يوم جليل خطبه، عظيم خطره، بل هو اليوم الذي ليس قبله مثله ولا بعده مثله، والكل ظاهر ومكشوف فلا زيف ولا خداع ولا كذب ولا رتوش.

 

وجاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ” أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده، ثم يقول أنا المالك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، ثم يجيب نفسه لله الواحد القهار ” والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول ” إنما الأعمال بالخواتيم ” ويكمن خطر هذه الكلمة في أن العبد عند الموت يكون في غاية الضعف، فهو يعاني من ألم النزع، والخوف من خطر ما هو مقبل عليه عند الموت، وكذا هجوم إبليس عليه بخيله ورجله، ويقول إبليس لأعوانه، دونكم هذا الرجل، إن أفلت منكم اليوم لا تدركونه، ففي هذه الفتنة يثبت الله قلوبَ المؤمنين الصادقين، وتنتكس فيها قلوب المنافقين والمفرطين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بعد التشهد الأخير في الصلاة من أربعٍ، فيقول ” اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وشر فتنة المسيح الدجال ” رواه البخاري .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى