مقال

الدكرورى يكتب عن الجوع ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن الجوع ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

إن من أعظم آداب الشريعة الإسلامية السمحة، ومن أقوى مظاهر الإيمان هو مواساة المؤمن لأخيه المؤمن، فيقف معه في كربته، ويواسيه في محنته، ويخفف مصابه، ويسد حاجته، وإن الأخوة الإيمانية هى أعظم رابط بين المؤمنين فهى استعلت على كل الروابط والعصبيات العرقية والوطنية والقبلية والأسرية إذ جعلها الله تعالى أولى الروابط وأقواها، وجعل ما سواها أضعف منها، فالأخوة الحقيقية هي أخوة الدين لأن أثرها يعم الدنيا والآخرة، وإن بالشكر تدوم النعم وقد ورد الشكر في خمسين آية من كتاب الله سبحانه وتعالى والشكر أعلى منازل السالكين فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يقول الله عز وجل يوم القيامة يا بن آدم حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تربع وترأس فأين شكر ذلك؟” رواه مسلم.

وإن من أركان الشكر هو التحدث بالنعم باللسان فتشكر الله عز وجل بلسانك دائما وخاصة إذا سألك احد عن حالك وعن نعمة الله عليك فلا تتذمر من نعم الله عليك وتقول فلان أحسن مني في النعم بل قل الحمد لله والشكر لله بقلبك وبلسانك، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العانى ” رواه البخاري، وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم ” يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا تدخلوا الجنه بسلام” رواه أحمد، وقد كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يترجم الشكر عمليا في حياته ولا يكتفي باللفظ باللسان، فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال إنه كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم أو ليصلي حتى تتورم قدماه أو ساقاه، فيقال له فيقول ” أفلا أكون عبدا شكورا ”

وقد تخلق الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين بخلق المواساة حتى صار من سجاياهم، ولا عجب أعجب من حادثة ذلك الرجل الذي أضاف جائعا فقدم له طعام صبيانه بعد أن أمر امرأته أن تنومهم، وأطفأ السراج ليوهم الضيف أنه وامرأته يأكلان وهما لا يأكلان، حتى ينفرد ضيفهما بطعمهما وطعام صبيانهما، فينزل الوحي على النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام بخبر هذه الحادثة العجيبة ليقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل ” قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليله ” رواه مسلم، ولنا الوقفه مع جوع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله والقائد الأعلى للمسلمين في زمانه حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه ” كان يمر بآل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هلال ثم هلال لا يوقد في بيوتهم شيء من النار لا لخبز ولا لطبيخ ، قالوا بأي شيء كانوا يعيشون يا أبا هريرة ؟

قال الأَسودان التمر والماء وكان لهم جيران من الأنصار، جزاهم الله خيرا لهم منائح، يرسلون إليهم شيئا من لبن” ومن الجوع الذي حل بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما كان في شعب أبي طالب حيث ظلوا فيه ثلاث سنين في ظل مقاطعة تامة من المشركين فعن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال لما أقبل عمرو بن العاص من الحبشة من عند النجاشي إلى مكة اشتد المشركون على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد واشتد عليهم البلاء، وعمد المشركون من قريش فأجمعوا مكرهم وأمرهم على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية فلما رأى ذلك أبو طالب جمع بني عبد المطلب فأجمع لهم أمرهم على أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله فاجتمعوا على ذلك كافرهم ومسلمهم منهم من فعله حمية ومنهم من فعله إيمانا ويقينا.

فلما عرفت قريش أن القوم قد اجتمعوا ومنعوا الرسول صلى الله عليه وسلم واجتمعوا على ذلك كافرهم ومسلمهم اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم على أن لا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا بمكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق وعلقوها بالكعبه، وكان فيها أن لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة ولا رحمة ولا هوادة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين واشتد عليهم فيهن البلاء والجهد وقطعوا عليهم الأسواق فلا يتركون طعاما يدنو من مكة ولا بيعا إلا بادروا إليه ، ليقتلهم الجوع يريدون أن يتناولوا بذلك سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت عمر بن الخطاب يخطب فذكر ما فتح على الناس فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتوى يومه من الجوع ما يجد الدقل” والدقل هو الرديئ من التمر ” ما يملأ به بطنه ” رواه مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى