مقال

الدكروري يكتب عن الفقهاء من الصحابة “جزء 6”

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الفقهاء من الصحابة “جزء 6”
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء السادس مع الفقهاء من الصحابة، ولم يكن علم الصحابة مقصورا على النقل ولا الأخذ بظواهر نصوص القرآن الكريم والسنة، بل كان لهم طرق للفقه فيما أخذوه من خطاب الله وخطاب رسوله صلى الله عليه وسلم، وما فهموه منهما، والعلم بتفسير القرآن الكريم، الذي نزل بلغتهم وعرفوا أسباب نزوله وعايشوا الوقائع، والعلم بما أخذوه من تفاصيل أحكام السنة النبوية، وكان لهم من ذلك معرفة واسعة بأحكام الدين، وقد كان الاجتهاد في العصر النبوي الشريف، هو قليل الوقوع في بعض الظروف، وكان في نزول الوحي ما يؤيده أو يبين حكمه، وقال في البحر، واختلف في علم النبي صلى الله عليه وسلم، الحاصل عن اجتهاد، فهل يسمى فقها؟ والظاهر أنه باعتبار أنه دليل شرعي للحكم لا يسمى فقها، وباعتبار حصوله عن دليل شرعي يسمى فقها اصطلاحا.

وقد اختص فقهاء الصحابة الكرام بجملة من المميزات لم تتوفر جميعها في غيرهم، فهناك من كان له طول الصحبة وكثرة المجالسة والأخذ، ولا يقتصر هذا على رواية الحديث الشريف، فقد ورد في الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم “رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه” فالخصوصية في قوة الفهم والذكاء، والتوفيق والإلهام من الله تعالى، لمن أراد له الخير وفقهه في الدين، بالإضافة إلى خصائص أخرى كالدعاء والإجازة والشهادة وغيرها، فمن الدعاء مثل حديث “عن علي بن ابي طالب أنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت، يا رسول الله أتبعثني وأنا شاب وهم كهول ولا علم لي بالقضاء؟ فقال صلى الله عليه وسلم، انطلق فإن الله عز وجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال علي، فوالله ما تعاييت في شيء بعد”

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال “اللهم اهد قلبه” قال على، فما شككت في قضاء بين اثنين حتى جلست مجلسي هذا ” وكذلك الدعاء لابن عباس في حديث شريف “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل” وغير ذلك، والإجاز مثل تكليف بعض الصحابة للقيام بمهمة القضاء والفتوى والتعليم، والشهادة مثل حديث “وأفرضهم زيد” وقد جاء في كتب الحديث أن أعلم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بالحلال والحرام هو معاذ بن جبل، وأعلمهم بالمواريث هو زيد بن ثابت، وفي الحديث، عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ ابن جبل، وأقرؤها لكتاب الله عز وجل أبي، وأعلمها بالفرائض زيد ابن ثابت، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح ”

وعن ابن مسعود رضى الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” اقتدوا بالذين من بعدي من أصحابي، أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود ” وقد كان الفقه في زمن الصحابة الكرام، مميزا عما بعده باعتبار أنهم أخذوا وتعلموا في زمن نزول الوحي وتفقهوا من العلم النبوي الشريف، وإن أكثر الصحابة الكرام، ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هم الذين صحبوه ولازموه كانوا فقهاء، وقد اختص كبار الصحابة الكرام، بمزيد اهتمام في تعلم الأحكام وفهمها، وكانوا مراجع للمسلمين، وقد اشتهرت المدينة المنورة بعد العصر النبوي الشريف بوجود جمهور فقهاء الصحابة، الذين كانوا مرجعا أساسيا للمسلمين للتعليم والفتوى، وكانت لهم اجتهادات ومذاهب فقهية، وكان الناس يأخذون منهم أحكام الشرع ويستفتونهم.

فيعلمون الناس ويفتونهم بما تعلموه، وكان الخلفاء يختارون الأكفاء من العلماء والفقهاء للولايات والقضاء والتعليم، وبمرور الوقت وتفرق الصحابة في البلدان ظهرت أمور جديدة ليس من الكتاب ولا من السنة نص صريح يدل عليها بخصوصها، وكان الصحابة يتوقفون عن الفتوى، لكن تستدعي الظروف أن يفصل في الحكم بالاجتهاد، ولم يكن كل الصحابة مجتهدون بل كان الاجتهاد مختصا بكبار علماء الصحابة، وكان المجتهد يتتبع أقوال الصحابة وما لديهم في المسألة، ويعتمد عند التعارض على قواعد مثل تقديم ما توافق عليه جمهور الصحابة، أو بحسب الدليل، وجودة الاستدلال، وغير ذلك، وكان الفقه منذ بداية عصر الصحابة من العام الحادى عشر من الهجره، إلى العام المائه من الهجره، وكان هو محل اهتمام الخلفاء الراشدين الذين اختارهم الصحابة للخلافة لكونهم من أعلم الصحابة وأفقههم في الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى