دين ودنيا

الكذب وشهادة الزور

جريدة الاضواء

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونحن علي أبوب شهر الصيام شهر البر والإحسان ينادى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم محذرا من شهادة الزور، ومن قول الزور، ومن العمل به فيقول ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ” وهنا يجب أن نعلم أن كل عمل باطل أو قول باطل فهو زور، فيجب أن تجتنبوا قول الزور كله، ولا تقربوا منه شيئا لتماديه في القبح والسماجة، وما ظنك بشيء قرن بعبادة الأوثان، والشرك بالله، وإن شهادة الزور في الأصل هي نوع من الكذب، ويأتي فيها كل ما جاء في الكذب من نهي وتخويف ووعيد، بل إن شهادة الزور كذب مغلظ، وهي أشد قبحا من الكذب العادي لأنه يترتب عليها منع الحقوق عن أهلها وإعطاء الحقوق لغير مستحقيها والأصل في الشهادة أن تكون سندا لجانب الحق، وأن تكون معينة للقضاء على إقامة العدل.

 

وأن تساعده على الحكم على الذين يبغون ويظلمون ويعتدون على أموال الناس وأعراضهم وحقوقهم، فإذا صارت الشهادة على العكس من ذلك، وإذا صارت الشهادة إلى جانب الباطل، وكانت سببا لتضليل القضاء وصرفه عن الحكم بالعدل، ووقفت في صف المفسدين الظالمين، فإنها عند ذلك تتضمن جريمتين اثنتين أولاهما صرف الشهادة عن مقصدها، وتضييع المراد منها، فالله عز وجل أمر بإقامة الشهادة لنصرة الحق فإذا أقيمت الشهادة لنصرة الباطل خرجت عن مقصودها وضاع الحق بين الناس والجريمة الثانية وهى الكذب الذي تتضمنه هذه الشهادة، وتضييع الحقوق الذي تتسبب فيه، وإن شهادة الزور تسبب لشاهدها دخول النار لأنها تطمس العدل والإنصاف وتعين الظالم على ظلمه وتضيع حقوق الناس وتظلم بعضهم على حساب بعض وتعطي الحق لغير مستحقه.

 

وتزرع الأحقاد في القلوب وتعصف بالمجتمع وتقوض أركانه وتزعزع أمنه واستقراره، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ” إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو يذرها ” والله سبحانه وتعالى أنزل إلينا شريعة كاملة فيها الكثير من الأحكام، والعديد من الشرائع، فيها الواجبات والأوامر، وفيها المحرمات والنواهي، وفيها الحلال وهو الأكثر، وفيها الحرام وهو الأقل، وما حرم الله عز وجل على الناس شيئا إلا لأجلهم ولأجل أن يستقيم دينهم، وتصلح دنياهم وتنوعت هذه المحرمات فكان منها الصغائر، وكان منها الفواقر والكبائر، وإن الشريعة الإسلامية جاءت بحفظ الحقوق والعدل بين الناس ومن حكمة الله سبحانه وتعالى.

 

أن شرع طرقا لإثبات الحقوق والحدود عندما يتنازع فيها الناس ومن هذه الطرق لإثبات الحقوق هى الشهادة أو شهادة الشهود، فالشهادة هي طريق لإنصاف المظلوم وردع الظالمين وحسم النزاع بين المتخاصمين والشهادة هي التي تميز الحق من الباطل وتبين الدعاوى الصادقة من الكاذبة، لذلك قال بعضهم إن الله عز وجل أحيا النفوس بالأرواح وأحيا الحقوق بالشهادة الصادقة ولأهمية الشهادة نطق القرآن بفضلها ورفع الله نسبتها إلى نفسه وشرف بها ملائكته ورسله والشهادة لابد أن تكون مبنية على علم وبيان وأن تنشأ عن ثقة واطمئنان، ولهذا لا يجوز لك أخي المؤمن أن تشهد لمجرد الظن أو لمجرد السماع، بل لابد أن تكون متيقنا عالما بالأمر قبل أن تشهد عليه ويجب على الإنسان أن يشهد بالحق ولو على نفسه أو أقرب الناس إليه ولا تأخذه في شهادة الحق لومة لائم.

 

ولا يصرفه عن الحق طمع أو خوف أو محاباة، وذات مرة كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا فقال للصحابه “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال “أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين” وكان متكئنا صلى الله عليه وسلم فجلس وقعد وقال”ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور” يقول الصحابة “فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ” حتى أشفقوا عليه الصحابه ورحموه صلى الله عليه وسلم، لما رأوا من شدة انفعاله، ولما رأوا من شدة غضبه عند هذه القضية بالذات، فقد ذكر الشرك بالله فلم يكرر ولم يحرج ولم يؤكد، وذكر عقوق الوالدين ولم يفعل شيئا من هذا، فلما جاء إلى شهادة الزور جلس وقعد وأخذ يكرر “ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور” وما ذلك إلا لأنه من أكبر الكبائر.

 

وأعظم الجرائر وأخطر الظواهر لما يترتب عليه من الكذب والفجور والظلم وهدر الحقوق ونشر البغضاء والضغينة فبسببه انتزعت أملاك بغير حق وأكلت أموال ظلما وانتهبت حقوق بالباطل، كم برئ بسبب شهادة الزور أصبح متهم وكم من متهم بسبب شهادة الزور أصبح بريئا وكم من قضايا باطلة ودعاوى كاذبة ألبست لباس الزور فأصبحت قضايا مصدقة،وقضايا حقيقية أصبحت بشهادة الزور باطلة مكذبة، وكم من شخص ظلم في حقه أو أودع السجن وهو برئ بسبب قول الزور وشهادة الزور، فيا من شهدت زورا لقد ظلمت نفسك وظلمت الناس وبعت آخرتك بدنيا غيرك فأنت من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فكم خربت بشهادتك بيوتا عامرة وضيعت بها حقوقا واضحة، لذلك كان لك الجزاء عند الله النار وبئس القرار، فعن بن عمر رضى الله عنهما قال، قال رسو الله صلى الله عليه وسلم ” شاهد الزور لا تزول قدماه يوم القيانه حتى توجب له النار ” رواه البيهقى وابن ماجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى