دين ودنيا

الدكروري يكتب عن إياكم وترك الصلاة

جريدة الاضواء

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

لقد توعد الله عز وجل لتارك الصلاة بالعذاب الأليم والخسارة الكبيرة في الدنيا والآخرة، منها ولوج العذاب في النار يوم القيامة، فقال الله تعالى ” كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين، في جنات يتساءلون عن المجرمين، ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين” وكل سيدخل مكانا مناسبا له في العذاب على حسب عمله، فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال “من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف” وإنما حُشر مع هؤلاء لأنه إن اشتغل عن الصلاة بماله أشبه قارون فيحشر معه، أو بملكه أشبه فرعون فيحشر معه، أو بوزارته أشبه هامان فيحشر معه، أو بتجارته أشبه أبي بن خلف تاجر كفار مكة فيحشر معه، وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال.

 

أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسع ” لا تشرك بالله شيئا ولو قطعت أو حرقت بالنار، ولا تترك الصلاة متعمدا فإنه من ترك الصلاة متعمدا برئت منه ذمة الله” وعلى ذلك سار الصحابة والخلفاء دوما في رياض العبادة حتى آخر الأرماق من الحياة، فعن عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال ” أن الميسور بن مخرمة دخل علي عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الليلة التي طعن فيها فأيقظ عمر لصلاة الصبح فقال عمر نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى عمر وجرحه يبعث دما” وإن من البلاء الواقع في حياة البعض أنهم يتهاونون في إقامة الصلاة على الدوام، فقال الله تعالى ” فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا” وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها، وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين رحمه الله هو أن لا يصلي الظهر.

 

حتى يأتي العصر ولا يصلي العصر إلى المغرب ولا يصلي المغرب إلى العشاء ولا يصلي العشاء إلى الفجر ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس، فمن مات وهو مُصرّ على هذه الحالة ولم يتب وعده الله بغيّ وهو واد في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه، وقال تعالى في آية أخرى ” فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون” أي غافلون عنها متهاونون بها، ولما تهاونوا بها وأخروها عن وقتها وعدهم بويل وهو شدة العذاب، وقيل هو واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، وهو مسكن من يتهاون بالصلاة ويؤخرها عن وقتها إلا أن يتوب إلى الله تعالى ويتوب على ما فرط، وعجبا لأولئك الذين شغلتهم الشواغل في دروب المناشط الدنيوية من التجارة والعمل أو التكاسل والتشاغل عن الطاعة بمصالح الأبناء والبنات فتركوا الصلاة وصاروا في أحوالهم أشباه الخارجين عن الإسلام، فقال الله تعالى.

 

” يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون” بينما تثاقل البعض عن إقامتها في أوقاتها حسب أوامر الشرع الحنيف وعليهم من العذاب كفل لا يُطاق، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء قال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين تثاقلت رؤوسهم عن الصلاة” ولقد كان كبار الصحابة رضي الله عنهم يهتمون بالشباب، ويجالسونهم ويصاحبونهم، ويعلمونهم مكارم الأخلاق، ويزرعون فيهم العمل للإسلام، ويُحملونهم ما يليق بهم من المهمات، فقيل رأى عمرو بن العاص رضي الله عنه قوما نحّو فتيانهم عن مجلسهم فوقف عليهم وقال ما لي أراكم قد نحيتم هؤلاء الفتيان عن مجلسكم؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم وأدنوهم وحدثوهم وأفهموهم الحديث.

 

فإنهم اليوم صغار قوم ويوشكون أن يكونوا كبار قوم، وإنا قد كنا صغار قوم ثم أصبحنا اليوم كبار قوم، وإن مشكلات الشباب وقضاياهم تتلخص في أربع قضايا، أولها هو التفريط في صلاة الجماعة، التي تركها كثير من الناس إلا من رحم ربك، صلاة الجماعة، التي ما تركها النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وهو في مرض الموت، صلاة الجماعة التي طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يتلهف عليها صلاة الجماعة التي أوصى أحد السلف بنيه أن يحملوه إلى المسجد وهو في مرض الموت بعدما سمع الأذان، فلما قالوا له أنت مريض، وقد عذرك الله، فقال متعجبا لا إله إلا الله، أسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح ثم لا أجيب لا والله، فحملوه فقبض الله روحه في السجدة الأخيرة، فكيف يصلح الحال والمساجد خاوية من المصلين، كيف ينتهي الشاب عن الفواحش والمنكرات، وهو لا يعرف المسجد.

 

كيف يسلم الشاب من المخدرات والجرائم وما دله أبوه ولا أمه إلى طريق المسجد فقال الله تعالي في سورة التحريم “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة شدادٌ غلاظ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون” وأما عن المشكلة الثانية للشباب فتأتي من جلساء السوء، وهم قوم علم الله من قلوبهم الخبث فأخرهم، قوم ما أفلحوا في دين ولا دنيا، رسبوا في الدراسة، وفشلوا في الوظيفة، وتقهقروا في العمل، فجلسوا على الأرصفة يصدون عن سبيل الله، لا يعرفون إلا لعب الورق، والأغاني، والموسيقى، ، والغيبة، والنظرة الآثمة، فأين الأب الحصيف، وأين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، ومشكلة الشباب الثالثة، وهي ضياع الوقت، والوقت أغلى شيء، ولكنه كذلك عند غير المسلمين، أما عند المسلمين فما أرخصه، الساعات الطويلة والأعمار المديدة.

 

يضيّعها كثير من الناس في غير فائدة بل فيما يجلب عليهم الخسران والضياع يوم القيامة، وكثير من الشباب يبدأ برنامجه اليومي، من العصر إلى العشاء، في اللهو واللعب والخروج من البيت، لا عمل، ولا تجارة، ولا وظيفة، ولا كسب، ولا تحصيل، ولا طاعة ثم يعود كالجثة الهامدة، فيسهر مع زملائه إلى منتصف الليل، ثم يرمي بجسمه على الفراش، بلا ذكر ولا تسبيح، ولا تحميد، ولا تهليل، ولا وضوء، ثم لا يستيقظ من نومه إلا قبيل الظهر، بعد أن ألغى صلاة الفجر من برنامجه أي حياة هذه، وأي عيشة تلك، فقال تعالي في سورة مريم ” فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا” فخلف من بعدهم خلف، جعلوا مكان التلاوة الغناء، ومكان مجالس العلم المسرحيّات والمسلسلات، ومكان المصحف الفيس بوك، ومكان التسبيح السيجارة، ومكان التقوى الفجور، فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الغفور.

 

والمشكلة الرابعة للشباب هي عدم الاهتمام بالعلم الشرعي وتحصيله، أصبحت الأمة إلا من رحم الله أمة ثقافة سطحية، تحوّلت الأمة من الأصالة والعُمق المتمثل في العلوم الشرعية، والعلوم التجريبية، إلى أمة تعرف المعلومات العامة، والثقافة السطحية، وهو علم يشترك فيه الكافر والمؤمن، ولكن أين التحصيل، أين الاجتهاد في طلب العلم، أين الحرص على الاستفادة، أين حفظ المتون، أين المتدبّرون للقرآن الكريم والصلاة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى