دين ودنيا

الدكروري يكتب عن الحقوق يوم القيامة ” جزء

بقلم / محمـــد الدكــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الحقوق يوم القيامة، وإن الظلم خزي وعار، وسبيل إلى الهلاك والدمار، وسبب في خراب القرى والديار، موجب للنقم، ومزيل للنعم، ومهلك للأسر والشعوب والأمم، فلا يظنن أحد أن ظلمه للعباد بضرب، أو سب أو شتم أو تزوير أو أكل مال بالباطل، أو سفك دم أو غيبة أو نميمة أو استهزاء أو سخرية، أو جرح كرامة أن شيئا من ذلك الظلم سيضيع ويذهب دون حساب ولا عقاب، كلا، ثم كلا، فلابد للظالم والمظلوم من الوقوف بين يدي الله عز وجل ليحكم بينهما بالعدل الذي لا ظلم فيه ولا جاه ولا رشوة ولا شهادة زور، فيقول تعالي ” الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون” وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء” رواه مسلم.

 

فما أقبح الظلم، وما أقبح نتائجه وعواقبه في الدنيا والآخرة، لذا حرّمه رب العالمين، وحذر منه سيد المرسلين فالظلم سبب في المحن والفتن والهلاك والبلاء في هذه الدنيا فكم من أمم قد طغت فأبيدت ودُمرت، وكم من أقوام قد طغوا فعذبوا وأهلِكوا، وكم من أناس قد أسرفوا في الظلم والطغيان فكانت نهايتهم إلى الهلاك والخسران، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته” فأين الجبابرة؟ وأين الأكاسرة؟ وأين القياصرة؟ وأين الفراعنة؟ أين الطغاة؟ وأين الطواغيت؟ أين عاد؟ وأين ثمود؟ وأين قوم نوح؟ وأين قوم لوط؟ وأين الظالمون؟ وأين التابعون لهم في الغي؟ بل أين فرعون وهامان؟ فلتكن لنا في الأمم السابقة عظة وعبرة أناس تكبروا وتجبروا وأسرفوا في الظلم والطغيان، فأهلكهم الله تعالى وجعلهم عبرة لكل ظلم وطاغية.

 

فيا من تظلم العباد اتقي الله في نفسك، ودع عنك الظلم والطغيان، واعلم أن دعوة المظلوم مستجابة، ليس بينها وبين الله حجاب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن، فقال “اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب تبارك وتعالى وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين” وإن من الحقوق هو آداب البيوت، ومن أول الحقوق هو إلقاء السلام أثناء الدخول للبيت، فإن كثيرا من المسلمين تخلوا عن إلقاء تحية السلام أثناء الدخول على أهلهم وأولادهم جهلا أو حياء أو تكبرا، ومن العجب أنك تجد الرجل من المدعين التمسك بالسنة والملتزمين بها، غير أن زوجته وأبناءه يشكون من سوء أخلاقه في البيت وآدابه فيه التي منها عدم إلقاء السلام.

 

فإذا دخلت بيتك أخي المسلم أو خرجت منه فسلم على من فيه من ذكر أو أنثى بتحية المسلمين وهي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، ولا تعدل عن هذه التحية الإسلامية إلى غيرها من صباح الخير أو مرحبا أو نحوهما، فالسلام عليكم شعار الإسلام وعنوان المسلمين الذي رسمه لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله وفعله وعمله، وهي تحية أهل الجنة وبها ينادون، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال، قال لي رسول الله يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهلك” وقيل أن رجلا جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه ثم جلس، فقال عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، ثم جلس، فقال عشرون، ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، ثم جلس، فقال ثلاثون” أي حسنة لأن الحسنة يجزى صاحبها بعشر أمثالها.

 

وذلك بناء على أن كلا من السلام ورحمة الله وبركاته حسنة مستقلة، فإذا أتى بواحدة منها حصل له عشر حسنات، وإن أتى بها كلها حصل له ثلاثون حسنة، وذلك لكل من البادئ والراد، وكما أن من الحقوق هو إعلام الأهل بالدخول للبيت، فإن كثيرا من الناس من يدخل بيته وكأنه لص يريد أن يسرق شيئا، فإذا دخلت بيتك فأشعر من فيه بدخولك قبل وصولك إليهم لئلا يرتاعوا بمفاجئتك أو تكون كالمتخوّن الفاحص لهم، فقال أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود كان أبي عبد الله بن مسعود إذا دخل الدار استأنس أي أشعر أهلها بما يؤنسهم وتكلم ورفع صوته حتى يستأنسوا، وقال الإمام أحمد إذا دخل الرجل بيته استحب له أن يتنحنح أو يحرك نعليه، قال عبد الله بن الإمام أحمد كان أبي إذا رجع من المسجد إلى البيت يضرب برجله قبل أن يدخل الدار حتى يسمع ضرب نعله لدخوله إلى الدار وربما تنحنح ليُعلم من في الدار بدخوله.

 

ولهذا جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخوّنهم أو يلتمس عثراتهم، وكما أن من الحقوق هو الاستئذان قبل الدخول، فإن بعض الناس يدخلون بيوتهم وكأنهم يدخلون مرابد البهائم بدون استئذان أو إشعار، فإذا كان بعض أهلك قارا في حجرته من دارك وأردت الدخول عليه فاستأذن لئلا تراه على حال لا يحب أو لا تحب أن تراه عليها، سواء كان من الحلائل أو المحارم أو غيرهم كأمك وأبيك أو بناتك أو أبنائك، فقد روى الإمام مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار أن رجلا سأل رسول الله فقال أستأذن على أمي؟ فقال نعم، فقال الرجل إني معها في البيت، فقال رسول الله استأذن عليها، فقال الرجل إني خادمها، فقال استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة؟ قال لا، قال فاستأذن عليها، وروري ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال سألت ابن عباس أأستأذن على أختاي؟ قال نعم، قلت إنهما في حجري وأنا أمونهما وأنفق عليهما؟ قال أتحب أن تراهما عريانتين؟ ثم قرأ قوله تعالى “وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستاذنوا كما استاذن الذين من قبلهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى