دين ودنيا

الدكروري يكتب عن جــاء رمضــان

جريدة الاضواء

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح فاغتنموه بالعبادة وكثرة الصلاة وقراءة القرآن، والذكر والعفو عن الناس، والإحسان إلى الخلق، وأزيلوا العداوة والبغضاء، والشحناء بينكم، فإن الأعمال تعرض على الله كل يوم اثنين وخميس، فمن مستغفر فيُغفر له، ومن تائب فيُتاب عليه، ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا ويصطلحوا، وإن شهر رمضان هو شهر القيام، وإذا كان قيام الليل فضيلة عظيمة كل أيام السنة فهو في رمضان فضيلة أعظم وهو شهر الصدقة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان أجود بالخير من الريح المرسلة وهو شهر الصيام، والصيام صبر، والصبر جزاؤه عند الله، وإن شهر رمضان يأتي بسرعة وينقضي بسرعة، فيا من ضيع عمره في غير الطاعة، ويا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه، ويا من بضاعته التسويف والتفريط، وبئست البضاعة.

 

ويا من جعل خصمه القرآن الكريم وشهر رمضان المبارك، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة؟ فويل لمن شفعاؤه خصماؤه، فهيا لنغتنم هذا الشهر الكريم ولنصلح قلوبنا، ونطلق ما بها من أمراض إلى الأبد خلال هذا الشهر، ففي رمضان تسلم القلوب من وحرها وحسدها وحقدها وغشها وخيانتها، وتسلم من الشحناء والبغضاء، ومن التهاجر والتقاطع، لتعود إلى فطرتها الحقيقة وقال النبى صلى الله عليه وسلم “صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر” رواه البزار، واعلموا أن الصيام إنما شرع ليتحلى الإنسان بالتقوى، ويمنع جوارحه من محارم الله فيترك كل فعل محرم من الغش والخداع والظلم، ونقص المكاييل والموازين، ومنع الحقوق، والنظر المحرم، وسماع الأغاني المحرمة، فإن كل معصية في الصيام تقدح في الصيام وتنقص أجره، فيجب أن يترك الصائم كل قول محرم، من الكذب والغيبة والنميمة.

 

والسب والشتم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ” رواه مسلم، وإنه بإغلاق أبواب الجحيم وفتح أبواب الجنان، وسلسلت الشياطين، فقد رفع لواء العفو والغفران، فلم يبقي منك إلا الإقبال بقلب منيب، فلا عذر للعاصي، والمخذول من كان من المعرضين، ويدل هذا الحديث العظيم على ثلاثة أشياء يتميز بها شهر رمضان المبارك عن غيره من الشهور، وهي أنه إذا جاء رمضان تفتح أبواب الجنة فى شهر رمضان ترغيبا للعاملين لها بكثرة الطاعات من صلاة وصيام وصدقة وذكر وقراءة للقرآن وغير ذلك، وتغلق أبواب النيران وذلك لقلة المعاصي فيه من المؤمنين وصُفدت الشياطين أي أنها شدت بالأصفاد وهي الأغلال، وهو بمعنى سلسلت، والمراد بالشياطين المردة منهم وهم أشد الشياطين عداوة وعدوانا على بني آدم.

 

وتغل أيديهم حتى لا يخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، وهذا كله كان لزاما على كل مسلم مكلف من الجن والإنس أن يجتهد في هذا الشهر بما يطيق من أنواع العبادات، وأن ينخلع من جميع الذنوب والمعاصي كلها، صغيرها وكبيرها، حتى يصبح شهرك هذا صفحة بيضاء مشرقة تمحو بها ما سلف وكان من الذنوب والعصيان، وكل هذا الذي أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حق، وقد أخبر به نصحا للأمة، وتحفيزا لها على الخير، وتحذيرا لها من الشر، وقد كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر الكريم، ويحثهم على الاجتهاد فيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبشّر أصحابه ” قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها، فقد حُرم ” رواه احمد.

 

والشياطين يجب أن نعلم أنها إنما تغل عن الصائمين فقط، وليس كل الصوم وإنما الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، أو هناك رأى يقول المصفد بعض الشياطين، وهم المردة، لا كلهم، أو المقصود هنا فى هذا الشهر هو تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، وإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لحدوث تلك المعاصى والذنوب والمشاكل فى رمضان هو أنه لذلك أسبابا غير الشياطين، كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية، ويقال أنه كان بعض الصالحين كثير التهجد والصيام، فصلى ليلة في المسجد ودعا، فغلبته عيناه، فرأى في المنام جماعة علم أنهم ليسوا من الآدميين، بأيديهم طباق عليها أرغفة ببياض الثلج، فوق كل رغيف در كأمثال الرمان، فقالوا كل، فقال إني أريد أن أصوم، قالوا يأمرك صاحب هذا الدار أن تأكل، قال فأكلت وجعلت آخذ ذلك الدر لأحتمله.

 

فقالوا له دعه نغرسه لك شجرا ينبت لك خيرا من هذا، قال أين ؟ قالوا في دار لا تخرب، وثمر لا يتغير، وملك لا ينقطع، وثياب لا تبلى، فيها رضوى وعينا وقرة أعين، أزواج راضيات مرضيات رضيات لا يغرن ولا يُغرن، فعليك بالانكماش فيما أنت فيه، فإنما هي غفوة ترتحل، فتنزل الدار، فما مكث بعد هذه الرؤيا إلا جمعة أو جمعتين حتى توفي، فرآه ليلة وفاته في المنام بعض أصحابه الذين حدثهم برؤياه وهو يقول لا تعجب من شجر غُرس لي في يوم حدثتك وقد حمل، فقال له ما حمل؟ قال لا تسأل، لا يقدر على وصفه أحد، فهيا لنغتنم هذا الشهر الكريم المبارك ولنصلح ألسنتا، ونطهرها، فهي أخطر جوارح الإنسان، صغيرة الحجم ، عظيمة الجُرم ، فبالصيام يسلم اللسان من قول الزور، ويسلم من العمل به، ويسلم من اللغو، ويسلم من اللعن، ومن الباطل، ومن الكذب، ومن الغيبة والنميمة وغيرها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى