مقال

القضاء في الإسلام. 

جريدة الأضواء

القضاء في الإسلام.

بقلم/السيد شحاتة

بداية إن تكلمنا عن هذا الموضوع فلايمكن أن نختصره في بضع كلمات توضع في مقالة أو عنوان ولكننا سنحاول إلقاء بعض الضوء عليه

والقضاء بصفة عامة من الأعمال التي لايمكن تقيمها لقدسية عمل القاضي فلا رقابة عليه إلا الضمير

فالقضاء هو في الأصل من عمل الأنبياء والمرسلين عليهم وعلي نبينا أفضل السلام وجاءت الآيات القرآنية التي تؤيد ذلك مصداقا لقوله تعالى (وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتيناه حكما وعلما )

وقوله تعالى (ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي)

ورسولنا الكريم كان مأمورا بالدعوة والتبليغ والحكم والفصل في الحقوق والخصومات فقال تعالي (فاحكم بينهم بما أنزل الله ولاتتبع أهواءهم عما جاءك من الحق )
وأيضا قوله تعالى (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين)

فالقضاء أمر ضروري لقيام أي مجتمع ففيه نصرة للمظلوم وقمع للظالم وآداء الحقوق لمستحقيها والضرب على أيدي العابثين بمقدرات الأمة كي يسود النظام فيأمن كل فرد علي نفسه وماله وعرضه وحريته

والقاضي لايأخذ شرعيته إلا بتنصيبة من ولي الأمر فهو منصب من مناصب الدولة حفاظا على وحدة المسلمين وصيانة لدمائهم

وقد تكون ولاية القاضي معممة وقد تكون مخصصة فقد يكون قاضيا في جميع بلاد المسلمين وقد يكون قاضيا في ولاية محددة من الدولة الإسلامية علي اتساع مكانها

وكان أساس الحكم في الإسلام هو العدل الذي قامت عليه السموات والأرض وكان القاضي من المكانة التي يهابها ولي الأمر من خلفاء الدولة الإسلامية علي تعاقبها

وعليه فقد أحاط الخلفاء الراشدين ومن بعدهم القضاة بكل مظاهر الإجلال والتعظيم بل وصانوه عن التدخل في أي أمر خاص ضمانا للحق وإرساءا للعدل فكانوا يقبلون بجميع الأحكام سواءا كانت ضدهم أو لصالحهم راضين ومنفذين لها طائعين وكتب التاريخ الإسلامي تحكي عن العديد من المواقف التي وقف فيها المتقاضين لافرق بين خليفة وأحد الرعية

ولكن هذا لا يمنع الخليفة من عزل القاضي إذا وجد من هو أصلح منه في تولي هذا المنصب أو ظهر عليه العجز وعدم الكفاءة

فقد عزل الفاروق عمر بن الخطاب شرحبيل بن حسنة عن القضاء وعندما قيل للفاروق عمر عن سخط القاضي من عزله قال وجدت من هو مثلك في الصلاح واقوي منك في العمل

ومنذ بداية العهد النبوي كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو القاضي بين الناس وهو الحاكم الذي ينفذ الحكم ويلزم الخصوم ويعاقب الجناة ويقيم الحدود ويأخذ الحق ممن إغتصبه
(فلا وربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )

وقال النبي الكريم إنما أنا بشر مثلكم وانكم تختصمون الي ولعل أحدكم ألحن من أخيه في حجته فأقضي له علي نحو ما أسمع ممن قضيت له من حق أخيه شيئا فلاياخذه إنما أقطع له قطعة من جهنم

وعندما إتسعت رقعة الدولة الإسلامية كان النبي يرسل أصحابه ليحكموا ويقضوا ويفتون الناس ويعلمونهم أمور دينهم حيث كان الرسول يعلم أصحابه كيف يحكمون بين الناس ودليل سؤالة لمعاذ بن جبل بما تقضي قال بكتاب الله قال فإن لم تجد قال فبسنة رسوله قال وإن لم تجد قال أجتهد رأيي ولا آلو

أما عصر الخلفاء الراشدين وأولهم الصديق ابو بكر كان منصب القضاة يقوم به الخليفة بين الناس في المدينة وفقهاء الصحابة

أما العهد العمري فعين الفاروق عمر بعض الصحابة علي القضاء في المدينة منهم زيد بن ثابت وعددا من الصحبة في الامصار المختلفة كعبدالله بن مسعود في قضاء الكوفة وشريح بن الحارث وبعض ولاة الامصار يقومون بالقضاء بين الناس

إلا بعض الولايات التي تتقارب حدودها مع أعداء الإسلام في ذلك الوقت حيث ينشغل الولاة بتجهيز الجيوش وتعيين آخرين في القضاء

وهكذا أستمر الحال في عهد عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ولم يكن للقضاة مكانا محددا لممارسة أعمالهم فقد تكون في البيت وفي الغالب بالمسجد

مع ملاحظة أن الناس في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم كانوا علي مستوي عال من الإيمان والوعي وكانوا يتعاملون بالمروءة فتقل بينهم الخصومات مما يخفف العبئ علي القضاة

ولابد وأن نعلم جميعا أن القضاء في الإسلام كان العدل هو الهدف الأسمى ولا هناك تفريق بين المتخاصمين حيث كان بمقدور القاضي بأن يأمر بإحضار الخليفة أو الوالي لمجلس القضاء فيما يتعلق بشأنهم أيه دعاوى وكان الخلفاء والأمراء يلتزمون بأمر القاضي

وكان القضاة لايفرقون في نظر الخصومات بين المسلمين وغيرهم من أهل الذمة ولعلنا نذكر قضية درع علي بن ابي طالب وحكم القضاء لليهودي علي أمير المؤمنين

وبداية نشأة نظام القضاء كان في عهد عمر بن الخطاب فهو أول من عين القضاة في الإسلام فتولي في عهده أبو الدرداء قضاء المدينة ثم قضاء دمشق وأبو موسى الأشعري قضاء البصرة وأبو أمية شريح بن الحارث قضاء الكوفة وغيرهم في جميع ولايات المسلمين

وأنشأ منصب قاض القضاة في خلافة هارون الرشيد بعد أن ظهرت الضرورة الي فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية وكان أول من تولي هذه المكانة الإمام أبي يوسف وجعل مذهب الإمام أبو حنيفة المذهب الرسمي وإستمر هكذا الحال حتي زمن الظاهر بيبرس فجعل لكل مذهب من المذاهب الأربعة قاض القضاة حتي إنهيار الدولة العثمانية حيث تمت عمليه القضاء علي النظام الإسلامي في القضاء وبداية الإستعمار الأوروبي واستحداث قوانين غربية غريبة حتي يومنا هذا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى