مقال

الدكروري يكتب عن الإمام النووي ” جزء 5″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام النووي ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام النووي، ويستأنس أيضا من قول ابن كثير في تاريخه أنه حج في مدة إقامته بدمشق، ولما رجع من حجة الإسلام لاحت عليه أمارات النجابة والفهم، وتزود بمدد من الله في بيته الحرام وبركات من رسول الله صلي الله عليه وسلم، وحين استقر النووي في المدرسة الرواحية واطمأنت نفسه في مسجده أقبل على طلب العلم بكل ما يعتلج بقلبه وعقله من شغف وجد واستعداد، ولقد كان ذلك منه مضرب المثل، ومثار العجب، قال النووي وبقيت سنتين لم أضع جنبي على الأرض، ويقول الذهبي وضُرب به المثل في إكبابه على طلب العلم ليلا ونهارا، وهجره النوم إلا عن غلبة، وضبط أوقاته بلزوم الدرس أو الكتابة أو المطالعة أو التردد على الشيوخ، وحكى بدر الدين بن جماعة أنه سأله عن نومه، فقال إذا غلبني النوم استندت إلى الكتب لحظة وأنتبه.

ويقول النووي في مقدمة كتابه روضة الطالبين وعمدة المفتين فإن الاشتغال بالعلم من أفضل القرب وأجل الطاعات، وأهم أنواع الخير وآكد العبادات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات، وشمر في إدراكه والتمكن فيه أصحاب الأنفس الزكيات، وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى المكرمات، وسارع إلى التحلي به مستبقو الخيرات، وقد تظاهر على ما ذكرته جمل من آيات القرآن الكريمات، والأحاديث الصحيحة النبوية المشهورات، ولا ضرورة إلى الإطناب بذكرها هنا لكونها من الواضحات الجليات، وهذا وقد أثمر النووي في العلم من السنة الأولى، فقد حفظ التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي في نحو أربعة أشهر ونصف، ثم حفظ ربع العبادات من المهذب لأبي إسحاق أيضا في باقي السنة، وعرض حفظه لكتاب التنبيه على محمد بن الحسين بن رزين قاضي القضاة بالديار المصرية.

وذلك سنة ستمائة وخمسين للهجرة، وكان النووي كغالبية علماء الشافعية يعتقد بعقيدة الأشاعرة من أهل السنة والجماعة، إذ إن كتابه شرح صحيح مسلم فيه الكثير من العقائد على أصول أهل السنة الأشاعرة، وقد صرح اليافعي وتاج الدين السبكي أنه أشعري، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام وكان مذهبه في الصفات السمعية السكوت، وإمرارها كما جاءت، وربما تأول قليلا في شرح مسلم، فتعقبه السخاوي فقال كذا قال والتأويل كثير في كلامه، ثم قال الذهبي بعد ذلك والنووي رجل أشعري العقيدة معروف بذلك، يبدع من خالفه ويبالغ في التغليظ عليه وللإمام النووي مؤلف في التوحيد، وهي رسالة سماها المقاصد، وقد بين النووي في كتابه المقاصد سبعة مقاصد وخاتمة، المقصد الأول في بيان عقائد الإسلام وأصول الأحكام ومما ذكر فيه قوله أول واجب على المكلف معرفة الله تعالى.

وهي أن تؤمن بأن الله تعالى موجود ليس بمعدوم، قديم ليس بحادث، باقي لا يطرأ عليه العدم، مخالف للحوادث لا شيء يُماثله، قائم بنفسه، لا يحتاج إلى محل ولا مخصص، واحد لا مشارك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، له القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام، فهو القادر المريد العالم الحي السميع البصير المتكلم، أرسل بفضله الرسل، وتولاهم بعصمته إياهم عما لا يليق بهم، فهم معصومون من الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها، منزهون عن كل مُنفر طبعا كالجذام والعمى، يأكلون ويشربون وينكحون، وهم أفضل الخلق على الإطلاق، أو تفصيل في الملائكة، وأعلى الكل من ختم الله به النبوة، ونسخ بشرعه الشرائع، نبينا محمد صلي الله عليه وسلم، وأصحابه خير القرون، وأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ونؤمن بجميع ما أخبرنا به على لسان نبينا محمد صلي الله عليه وسلم كالملائكة، والكتب السماوية، والسؤال، والبعث، والحشر، وهول الموقف، وأخذ الصُحف، والوزن والميزان، والصراط، والشفاعة، والجنة، والنار، وكل ما عُلم من الدين بالضرورة فالإيمان به واجب، والجاحد له كافر، وأما عن رأي العلماء في الإمام النووي، فقال عنه الإمام الذهبي الشيخ الإمام القدوة، الحافظ الزاهد، العابد الفقيه، المجتهد الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأنام، وقال الإمام ابن كثير عنه هو الشيخ الإمام، العلامة الحافظ، الفقيه النبيل، محرر المذهب ومذهبه، وضابطه ومرتبه، أحد العباد والعلماء الزهاد، كان على جانب كبير من العلم والعمل والزهد والتقشف، والاقتصاد في العيش والصبر على خشونته، والتورع الذي لم يبلغنا عن أحد في زمانه ولا قبله بدهر طويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى