مقال

الدكروري يكتب عن الإمام النووي ” جزء 8″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام النووي ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثامن مع الإمام النووي، ومن شرط واقفها في الشيخ أنه إذا اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدّم من فيه الرواية، وظاهر أن من اجتمع فيه الرواية والدراية أولى بمشيختها ممن فيه إحداهما، والمتعارف عليه ألا يلي مشيختها إلا عظيم وقته بالعلم وخصوصا علم الحديث، ومن لقب بشيخ دار الحديث فقد نال في العلم أجل الألقاب، والظاهر أن النووي لم يطلب رئاسة دار الحديث، بل دفعها عنه، ولم يقبلها إلا بعد جهد، ويدل على ذلك ما كتبه في رسالة لابن النجار حين هدده هذا بإقالته منها قال أوما علمت لو أنصفت كيف كان ابتداء أمرها؟ أوما كنت حاضرا مشاهدا أخذي لها؟ ويقول قطب الدين اليونيني ونشر بها أي النووي علما جما، وأفاد الطلبة، وقال والذي أظهره وقدمه على أقرانه ومن هو أفقه منه كثرة زهده في الدنيا، وعظم ديانته وورعه.

 

وليس فيمن اشتغل عليه من يلتحق به، وقرئ عليه صحيحا البخاري ومسلم بدار الحديث الأشرفية سماعا وبحثا، وقرئ عليه الرسالة للقشيري، وصفة الصفوة، وكتاب الحجة على تارك المحجة لنصر المقدسي بحثا وسماعا، ويقول ابن العطار وحضرت معظم ذلك، وعلقت عنه أشياء في ذلك وغيره، فرحمه الله ورضي عنه وقال تاج الدين السبكي قال والدي إنه ما دخلها أي دار الحديث الأشرفية أحفظ من المزي، ولا أورع من النووي وابن الصلاح، وقال تاج الدين أيضا ودرّس أي النووي بدار الحديث الأشرفية وغيرها ولم يتناول فلسا واحدا، وتوفي الإمام النووي في الثلث الأخير من ليلة الأربعاء الخامس والعشرين من شهر رجب لعام ستمائة وست وسبعين من الهجرة، الموافق الثاني والعشرين من كانون الأول وهو ديسمبر لعام ألف ومائتان وسبع وسبعين للميلاد.

 

ويقول التاج السبكي لما مات النووي بنوى ارتجت دمشق وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون أسفا شديدا، وأحيوا ليالي كثيرة لسنته، وقال ابن العطار فسار إلى نوى وزار القدس والخليل عليه السلام، ثم عاد إلى نوى، ومرض عقب زيارته لها في بيت والده، فبلغني مرضه فذهبت من دمشق لعيادته، ففرح رحمه الله بذلك، ثم قال لي ارجع إلى أهلك، وودعته وقد أشرف على العافية يوم السبت العشرين من رجب سنة ست وسبعين وستمائة، ثم توفي في ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من رجب، فبينما أنا نائم تلك الليلة إذا منادي ينادي على سدة جامع دمشق في يوم جمعة الصلاة على الشيخ ركن الدين الموقع، فصاح الناس لذلك النداء، فاستيقظت فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون، فلم يكن إلا ليلة الجمعة عشية الخميس إذ جاء الخبر بموته رحمه الله.

 

فنودي يوم الجمعة عقب الصلاة بموته، وصلي عليه بجامع دمشق، فتأسف المسلمون عليه تأسفا بليغا، الخاص والعام، والمادح والذام، وتم دفن الإمام النووي في قريته نوى، وقبره ظاهر يزار، ومما أثر من خبره أنه لما دنا أجله ردّ الكتب المستعارة عنده من الأوقاف جميعها، فقال قطب الدين اليونيني ولما وصل الخبر بوفاته لدمشق، توجه قاضي القضاة عز الدين محمد بن الصائغ وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة على قبره، قال وكان يسأل أن يموت بأرض فلسطين، فاستجاب الله تعالى منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى