مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 8″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثامن مع الإمام العز إبن عبد السلام، وقال العز القيام للمصحف بدعة لم تعهد في الصدر الأول، كما أزال العز بدع الخطباء في المساجد كلبس السواد، ودق السيف على المنبر، والتسجيع في الخطبة، واجتنب الثناء على الملوك والحكام، وعقد العز فصلا عن البدع في كتابه قواعد الأحكام، فعرّفها فقال البدعة فعل ما لم يُعهد في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قسّمها وبيّن حكم كل قسم، ولما مرض الملك الأشرف موسى بدمشق مرض الموت، طلب من العز بن عبد السلام أن يعوده ويدعو له وينصحه، فلبى العز واجب عيادة المريض، وقال للملك وأما دعائي للسلطان، فإني أدعو له في كثير من الأحيان، لما في صلاحه من صلاح المسلمين والإسلام، وأما وصيتي ونصيحتي للسلطان فقد وجبت وتعينت لقبوله وتقاضيه، وكان السلطان قبل مرضه.

 

قد وقع بينه وبين أخيه السلطان الكامل بمصر جفوة ووحشة، في الوقت الذي ظهر فيه التتار في الشرق، فقال الشيخ للسلطان أخوك الكبير ورحمك، وأنت مشهور بالفتوحات، والنصر على الأعداء، والتتار قد خاضوا بلاد المسلمين، وأمره بصلة أخيه والتعاون معه في وجه التتار، وإزالة مظاهر القطيعة والعداوة بينهما قائلا ولا تقطع رحمك في هذه الحالة، وتنوي مع الله نصر دينه وإعزاز كلمته، فإن من الله بعافية السلطان رجونا من الله إدالته على الكفار، وكانت في ميزانه هذه الحسنة العظيمة، فإن قضى الله تعالى بانتقاله إليه كان السلطان في خفارة نيته، فقال له جزاك الله خيراعن إرشادك ونصيحتك، وأمر والشيخ حاضر في الوقت بتنفيذ ذلك، ثم قال له زدني من نصائحك ووصاياك، فقدم الشيخ النصائح، وأمره بإزالة المنكرات، ومنع المحرمات، ورفع المكوس عن المسلمين.

 

وإبطال القاذورات، ودفع المظالم، فتقدم السلطان فورا بإبطال ذلك كله، وقال له جزاك الله عن دينك وعن نصائحك وعن المسلمين خيرا، وجمع بيني وبينك في الجنة بمنه وكرمه، وودع الشيخ السلطان، ومضى إلى البلد، وقد شاع عند الناس صورة المجلس، وتبطيل المنكرات، وباشر الشيخ بنفسه تبطيل بعضها، وكما اشتهر العز بن عبد السلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت هذه الصفة أهم صفاته، وأكثر مميزاته على غيره من العلماء، ولذلك أجمع المصنفون على وصفه بذلك، قال الكتبي في وصف العز كان ناسكا ورعا، أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم، وقال ابن العماد في وصف العز بدمشق هذا مع الزهد والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلابة في الدين، ثم يقول عنه في مصر فأقام بالمنصب أتم قيام.

 

وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال عنه السيوطي، وقدم مصر، فأقام بها أكثر من عشرين سنة، ناشرا للمعروف ناهيا عن المنكر، يعظ الملوك فمن دونهم، وقال ابن السبكي هو إمام عصره بلا مدافعة، القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمانه، وكما اختلف العلماء والكتاب والمصنفون قديما وحديثا اختلافا واسعا في وصف العز بن عبد السلام بالتصوف أو براءته منه، وتشعّب القول في ذلك، فذهب معظم المؤرخين القدامى وبعض المعاصرين إلى إثبات نسبة التصوف للعز، واتفاقه مع الكتاب والسنة، واستندوا إلى أدلة كثيرة، أهمها صلته بكبار علماء الصوفية في زمانه كأبي الحسن الشاذلي وشهاب الدين عمر السهروردي، وحضور مجالسهم، وقراءة كتب الصوفية وممارسته لبعض أعمالهم. وقد نقل ابن السبكي أن الشيخ عز الدين.

 

لبس خرقة التصوف من الشيخ السهروردي، وأخذ عنه، وذكر أنه كان يقرأ بين يديه رسالة القشيري، ثم قال ابن السبكي وقد كان للشيخ عز الدين اليد الطولى في التصوف، وتصانيفه قاضية بذلك، وقال السيوطي وله كرامات كثيرة، ولبس خرقة التصوف من الشهاب السهروردي، وكان يحضر عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ويسمع كلامه في الحقيقة ويعظمه، وقال الشعراني وكان الشيخ عز الدين رضي الله عنه يقول بعد اجتماعه على الشيخ أبي الحسن الشاذلي وتسليمه للقوم من أعظم الدليل على أن طائفة الصوفية قعدوا على أعظم أساس الدين ما يقع على أيديهم من الكرامات والخوارق، ولا يقع شيء من ذلك قط لفقيه إلا إن سلك مسلكهم كما هو مشاهد، وكان الشيخ عز الدين رضي الله عنه قبل ذلك ينكر على القوم، ويقول هل لنا طريق غير الكتاب والسنة.

 

فلما ذاق مذاقهم، وقطع السلسلة الحديدية بكراسة الورق، صار يمدحهم كل المدح، وكما أن في معركة عين جالوت، قد قبل سيف الدين قطز فتوى العز بن عبد السلام وبدأ بنفسه فباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك، فانصاع الجميع وامتثلوا لأمره، وجُمعت هذه الأموال فضربت سكا ونقدا وأنفقت في تجهيز الجيش لمحاربة التتار في معركة عين جالوت، وعندما كان العز بن عبد السلام بمصر سنة ستمائة وسبع وخمسين من الهجرة، تقدم التتار بعد سقوط بغداد إلى الشام، واستولوا على بعض مدنها، ليواصلوا الطريق إلى مصر، وكان على عرش مصر شاب صغير، وبعث ملك حلب الناصر يوسف يطلب النجدة على قتال التتار، فجمع سيف الدين قطز العلماء والأعيان والفقهاء والقضاة لمشاورتهم في الأمر لمواجهة التتار، وحضر الشيخ العز، وعمره ثمانون سنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى