مقال

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 11″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 11″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الحادي عشر مع شهر الجهاد والصبر، وقديما، كانت العرب تقول” أبخل الناس من بخل بجاهه” وقال الشافعى ” وأد زكاة الجاه فإنها كمثل زكاة المال تم نصابها” ومن مظاهر البخل وعلامات الشح هو ترك الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ومن المظاهرأيضا هو عدم السلام على الناس عند اللقاء بهم كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ” وأبخل الناس من بخل بالسلام” وإن أشد مظاهر البخل، هو بخل الإنسان على نفسه, فقال ابن قدامة المقدسى “وأشد درجات البخل أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يُمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهى الشهوة فيمنعه منها البخل” وإن عواقب البخل وخيمة ونتائجه مريرة, فمن آثاره السيئة على صاحبه، حرمان الجنة وولوج النار، وكما أن من آثاره وأضراره هو الهلاك ونزول العقوبة.

 

ومن الأضرار والآثار كذلك هو فقدان محبة الملك الديان, فقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله لا يحب كل مختال فخور، والبخيل المنان، والتاجر أو البائع الحلاف” فقال الإمام ابن القيم رحمه الله”لما كان البخيل محبوسا عن الإحسان ممنوعا عن البر والخير كان جزاؤه من جنس عمله، فهو ضيق الصدر ممنوع من الانشراح, ضيق العطن صغير النفس, قليل الفرح كثير الهم والغم والحزن, لا يكاد تقضى له حاجة ولا يُعان على مطلوب, فهو كرجل عليه جبّة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه, بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها, وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها, وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقى قلبه في سجنه كما هو” ومن أضراره العذاب الأليم يوم القيامة، فذلك هو البخل, وتلك هي أضراره وعواقبه.

 

فحرى بكل عاقل أن يطهر نفسه منه, ولذا فهناك أمور معينة على التخلص من البخل، فمن ذلك، هو حسن ظن العبد بربه ومولاه، وقد قيل “قلة الجود سوء ظن بالمعبود” وأيضا مجاهدة النفس بفعل ما يضاد البخل, فقال ابن القيم “فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل, كالحجام يستخرج منك الدم المهلك” وأيضاعدم التصديق بالوعد الكاذب، للشيطان الرجيم، كما في قول الحق تبارك وتعالى فى سورة البقرة ” والشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء” وأيضا الاستعاذة بالله من البخل, وقد كان من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم “اللهم إنى أعوذ بك من البخل” وأيضا النظر فى عواقب أهل الحرص على المال, ثم ماتوا وتركوا ما جمعوا للورثة يتقاسمونه بينهم, وهم يعذبون على بخلهم وإمساكهم في الآخرة، فلنطهر نفوسنا من هذا الداء المهلك فإن من المعايب.

 

التى كان العرب ينفرون منها أن يقال على المرء “أنه بخيل” وأيضا من أنواع الإنتصار فى رمضان هو الانتصار على اللسان وآفاته، فعندما نسمع أو نقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم” من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم” إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم” وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث” فندرك أهمية هذا النوع من الانتصار فى شهر رمضان، فمن لم يستطع أن ينتصر في معركته مع لسانه خاصة وهو صائم لا يمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه وشهواته، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس.

 

فعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “أتدرون ما المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال “إن المفلس من أمتى يأتى يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتى قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار” وقال ابن القيم إن العبد ليأتى يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله، وقال بعض السلف إن أهون الصيام ترك الشراب والطعام، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال”لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى