مقال

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 13″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 13″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث عشر مع شهر الجهاد والصبر، ومن آفات اللسان هو السخرية واستنقاص الناس، يستنقصونهم لبلدهم أو لحسبهم أو لنسبهم، أو لغير ذلك، فلا تلمز أحدا ولا تستنقص أحدا، فقالت السيدة عائشة رضى الله عنها “يا رسول الله عن صفية، حسبك من صفية أنها قصيرة؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم “لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته” فأين الذين يستهزؤون بالناس وبالمدن وبالعشائر وبالقبائل ويغتابون غيبة جماعية ويسخرون سخرية جماعية؟ ألا فليراجع كل واحد منا نفسه ويحاسب نفسه على لسانه، فقد أخرج أبو بكر الصديق رضى الله عنه لسانه وقال “هذا الذى أوردنى الموارد” وأنتم تعرفون من هو أبو بكر في علمه وزهده وتقواه وورعه، ويقول هذه الكلمة؟ وابن عباس رضى الله عنهما يقول عن لسانه “قل خيرا تسلم وإن لم تفعل فاعلم بأنك ستنطق الخير تغنم أو اسكت عن سوء تسلم وإلا فاعلم أنك ستندم”

 

وابن مسعود رضى الله عنه يقول “ما من شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان” وعمر بن الخطاب رضى الله عنه كذلك يحذر من أن يطلق اللسان أن يتكلم بما شاء، يقول “من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به” وقال ابن عباس رضي الله عنهما مر النبى صلى الله عليه وسلم على قبرين, فقال “إنها ليعذبان” أى في القبر “وما يعذبان في كبير, أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة” رواه البخاري ومسلم، أى يمشى بين الناس سعيا في نشر الخلاف والمشاكل بين الناس، ليتقاتلوا ويختلفوا، وقال النبى صلى الله عليه وسلم “إن الرجل ليدنو من الجنة حتى ما يكون بينه وبينها قيد ذراع فيتكلم بالكلمة، فيتباعد منها أبعد من صنعاء” روه أحمد، فاللسان من النعم العظيمة التى حار الأطباء فى خلقه العجيب, بل فى كل ما خلق الله من العقل, والعين, والبصر, واليد.

 

فلو قبضها الله فمن الذي يبسطها غيره؟ ولو سلب منك البصر فمن يعيده إليك؟ ولو سلب منك اللسان من يعطيك مثلها ؟ وللنظر إلى فعل البشر اليوم فى العمليات التجميلية ماذا يفعلون؟ وماذا عساهم أن يصنعوا؟ فيقول تعالى فى سورة لقمان “هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه” فاللسان عضو صغير، لكنه يقود إلى الجنة أو إلى النار، ولو نظرت إليه لعجبت لحجمه وشكله, لكن لو تذكرت فعله لعرفت ماذا يفعل, لو استمعت إلى صوته وعبارته بهرتك تلك الأصوات، وتلك العبارات, من أصوات جميلة، ومرتفعة وقوية، ذلك اللسان خلقه الله لكل ناطق من الحيوان, وجعل لكل حيوان لغة ومنطقا وصوتا يميزه عن غيره, لكنه عز وجل يميز كل الأصوات على اختلافها وتنوعها وتباينها, يسمع الى النملة على صغر حجمها, ويسمع إلى الفيل على قوة وضخامة بدنه.

 

ويسمع أصوات من في البحار, وأصوات من فى الأودية، والجبال والقفار، فخلق الإنسان ويسمع ما يقول, وخلق الحيوانات، وميز بين أصواتها, حتى عجز الإنسان أن يحصيها, لكنه يسمعها جميعا عز وجل، ويعرف ما تريد, فقد تستوى عند البشر أصوات العصافير, أو أصوات الدواب, أو أصوات الناس، لكن الخالق يميز بينهم, يجتمع الملايين في موطن واحد في يوم عرفة، فيرفعون أصواتهم ويخفضونها، لكنه تعالى يسمع كل الأصوات، ويفهم كل اللغات، ومن لم يكن له صوت يرفعه، ولسان ينطق به، فهو أبكم لا يتكلم إلا بقلبه، فالله عز وجل يعرف حاجته، ويعلم مسألته، فيقول تعالى ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” فإن هذا اللسان هو دليل على وحدانية الله عزوجل لأنه من آياته العظيمة، فيقول تعالى فى سورة الروم ” ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف السنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين”

 

ولقد خلق الله اللسان ليعبر عما في القلب, فالله جعل لكل قوم لهجة ولسانا، حتى اللغة الواحدة فيها من اللهجات العدد الكثير، وإن اللسان له آفتان جامعتان، الكلام شيطان ناطق، والسكوت شيطان أخرس، وإن تفصيل تلك الآفات يتجلى في أمور، وهى قد يكفر الإنسان بلسانه، فيخرج من دين الله إلى الكفر، بسبب كلمة لا يلقى لها بالا، فقال صلى الله عليه وسلم”إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يتبين فيها, يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة” رواه أحمد، لذلك قال صلى الله عليه وسلم لمن استوصاه “امسك عليك لسانك” وبهذا اللسان دخل المسلم الدين, وبه قد يخرج منه، فقال معاذ رضي الله عنه “يا رسول الله أو نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ قال “ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟” رواه أحمد، والترمذى، أى إلا بسبب هذا اللسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى