مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العجلي ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العجلي ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام العجلي، وهذا يدل على أن الإمام العجلي كغيره من المحدثين لا يترك الرواية عن أحد لمجرد ما وجد فيه من خلاف عقدي أو فكري، بل المدار على الصدق والعدالة والضبط، فإذا كان الراوي متصفا بالورع والتقوى والصدق والضبط فيصدق في خبره إلا إذا أدت بدعته إلى الكفر أو الكذب فحينذاك تسقط عدالته، وقد فصل أهل العلم القول في قبول رواية أهل البدع فليراجع في مظانه، وأما عن ما تقدم من ألفاظ الأئمة في الثناء على العجلي، ما بين أنه إمام من أئمة النقد، وأنه من كبار الحفاظ مع التدين المتين والورع والزهد، حتى إنه كان يقرن في ذلك بيحيى بن معين والإمام أحمد بن حنبل إمامي السنة والجرح والتعديل، بل لقد مضى الأئمة على اعتماد أقوال العجلي، والنص على أنه من أئمة الجرح والتعديل المعتمدين، وعلى الثناء على كتابه في الجرح والتعديل.

 

فكتاب العجلي أحد موارد الخطيب البغدادي، والحميدي وابن عساكر، والمزي، والذهبي، وابن رجب الحنبلي، والحافظ ابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، وابن العماد الحنبلي، وغيرهم، وقال ابن ناصر الدين عنه وكتابه في الجرح والتعديل يدل على سعة حفظه وقوة باعه الطويل، وعلى هذا لا تجد أحدا من الأئمة السابقين أي قبل العصر الحديث من وسم العجلي بالتساهل في التوثيق وأنه لا يعتمد على توثيقه إذا انفرد به لراوي لم نجد فيه قولا لغيره، وأول من وصف العجلي بالتساهل في التوثيق هو العلامة المحقق عبد الرحمن ابن يحيى المعلمي حيث قال في طليعة التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيلن والعجلي قريب من ابن حبان في توثيق المجاهيل من القدماء، وتبعه على ذلك العلامة محمد ناصر الدين الألباني، في مواطن كثيرة من كتبه، منها قوله في سلسلة الأحاديث الصحيحة.

 

العجلي معروف بالتساهل في التوثيق، كابن حبان تماما، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم، ثم انتشر هذا القول بتساهل العجلي بين طلبة العلم وأصحاب التأليف، حتى شاع واشتهر، ولم تعد ترى فيهم من يدفعه أو يخالفه، بل من يناقشه بالدليل والبرهان، فأصبح من الأمور المسلمة عندهم، لا يحتاج إلى استدلال، بل ربما لا يجوز ذلك فيه، وخطأ ذوي الفضل كالمعلمي والألباني يزيد من فضلهم، لأنه أجر واحد من مجتهد معذور، يضاف إلى ما سبقت به أعمالهم تقبلها الله لكن تقليدهما فيه، والتعصب لذلك جهلا واستكبارا هو المأخوذ على صاحبه، وقيل إن من أدلة من اتهموا العجلي بالتساهل، قيل ثلاثة أمور، وهي كثرة توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاما، ومخالفته لغيره من أئمة النقد بتوثيقه رواة جهلهم غيره أو ضعفهم أو تركهم، وعدم اعتماد الحافظ ابن حجر لتوثيق العجلي إذا انفرد.

 

وكان هناك الرد على هذه الشبه من وجوه، وهو أما عن توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاما، فما وجه دلالته على تساهله ؟ وهل تزيد على أن أعلنا جهلنا ؟ وأننا عجزنا أن نعرف حال الراوي إلا من طريق العجلي ؟ ثم إن كان هذا دليلا على تساهل العجلي، فلن ينجو إمام من أئمة الجرح والتعديل من أن يكون متساهلا كالعجلي، لأنه لا يخلو إمام خاصة المكثرون من نقد الرواة من أن نجد له توثيقا لراو لم يتكلم فيه غيره، فوصف يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، والبخاري، بالتساهل إذن بنفس الحجة التي وصفت بها العجلي بذلك، وأما عن مخالفة العجلي بتوثيقه لرواة جهلهم غيره من الأئمة فمتى يكون من عنده زيادة علم مقدما على غيره، إذا لم نقبل توثيق العجلي في هذه الحالة؟ وإن قول الإمام عن راوي إنه مجهول إعلام من الإمام عن عدم معرفته له، وإعلان منه أنه لا يخبر حاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى