مقال

الدكرورى يكتب عن شهر العزة والنصر والتمكين” جزء 9″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن شهر العزة والنصر والتمكين” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع شهر العزة والنصر والتمكين، فعلى المسلم ألا يستعجل النتائج، ولا يطلب منه سوى القيام بالواجب وهو الإخلاص في العمل، الاستعداد، العدة العسكرية، وكان فى شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة، فتح عظيم وهو الفتح الأكبر، ألا وهو فتح مكه، حيث يقول تعالى فى ذلك الفتح ” إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا” وقد ورد فى تفسير هذه السورة الكريمة أن المراد بالنصر، هو العون، وأما الفتح، فهو فتح مكة، كما قال مجاهد، وعن الحسن رضي الله عنه قال “لمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قالت العرب أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان، أى طاقة فدخلوا فى دين الله أفواجا.

 

وكان فتح مكة فى الثالث والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة وقد شكل الآية العظمى على مدى الأخلاقية النبوية الإنسانية التى التزم بها الرسول صلى الله عليه وسلم مقدما أرفع نموذج للتسامح والتواضع والسمو الذى عرفته البشرية عبر تاريخها، وعندما هاجر لوحق ورصدت الأموال الطائلة لمن يغتاله، بعد أن فشلت مؤامرة قتله صلى الله عليه وسلم في داخل مكة، ثم أخيا الأعوام الثمانية التى قضاها الرسول صلى الله عليه وسلم فى مكة، وهم يلاحقونه ويتربصون بكل أصحابه، ولا تمر الأيام أو الأسابيع إلا وهم متآمرون عليه مع اليهود أو المنافقين، أو مُوعزون لبعض القبائل بترويعه في المدينة والسطو على مسارح المسلمين التى تسرح فيها دوابهم، أو مقاتلون له مباشرة طورا ثالثا، وها هى السنوات الطوال قد مضت، وها هو أنبل الناس وأزكى الناس.

 

الذي حورب واضطهد يعود فاتحا لبلده، أَجل، بلده مكة التي أخرج منها وهو يذرف الدمع، ويقول “والله إنك لأحب بلاد الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت” بينما صلى الله عليه وسلم يخفق قلبه بأروع المشاعر لأنه في طريقه إلى المسجد الحرام والكعبة، وقد فعل ما أراد، واستلم الحجر الأسود، طاف بالبيت، ولم يكن محرما، وهو يتلو قول الله تعالى ” وقل جاء لحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا” ثم دخل إلى جوف الكعبة، فأزال آثار الوثنية من داخلها، كما أزالها من خارجها، ثم دار في البيت يُوحد الله ويكبّره، وكل ذلك وهم ينظرون إليه، إنهم في واد بعيد عنه، إنه في الآخرة، فى الملأ الأعلى، أما هم فيفكرون هلعين فيما ينتظرهم، متذكرين ماضيهم الأسود معه، ونظر صلى الله عليه وسلم إلى آلاف الوجوه التى فعلت به الأفاعيل طيلة عقدين من الزمان.

 

بعد أن دخل مكة من أعلاها، من كداء، وهو يضع رأسه وهو راكب على دابته، تكاد تلامس رأسه ظهر الدابة تخشعا وخضوعا لله، وهم ينتظرون القضاء العادل، لكنهم مع ذلك كانوا يعرفون أن محمدا هو محمد رسول الرحمة، لأنه الرسول الأخلاقى الذى وصفه ربه بالخلق العظيم فقال ” وإنك لعلى خلق عظيم” فإنه لن يعاملهم بالعدل، فلو عاملهم بالعدل لانتهى كل شيء، ثم فاجأهم النبى الكريم صلى الله عليه وسلم بالسؤال ” يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟” وكأنما كان السؤال نفسه طوق نجاة لهم، فسرعان ما أجابوه قائلين خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال صلى الله عليه وسلم ” فإنى أقول لكم كما قال يوسف لأخوته ” لا تثريب عليكم اليوم” اذهبوا، فأنتم الطلقاء، ثم تتوالى آيات عظمته وكرمه، وعندما كانت الجيوش الإسلامية تزحف على مكة فى ظل أوامر صارمة.

 

بعدم إراقة الدماء إلا فى الدفاع عن النفس أخطأ أحد القادة وهو الصحابى الجليل سعد بن عبادة فقال اليوم يوم الملحمة، اليوم يذل الله قريشا، فانتزعت منه الراية بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطيت لابنه قيس، وصحح الرسول صلى الله عليه وسلم العبارة حتى لا تذهب إلى الناس وتروعهم قائلا “اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله قريشا” وقد صدق فلولاه ولولا دخول مكة فى الإسلام، لما كانت لمكة قيمة، ولما كان لقريش قيمة أبدا، وإن شهر رمضان بأيامه المباركة، ولياليه المشرقة، كان وما زال فرصةً للمؤمن الصادق ليظهر اعتزازه بدينه، وليعلن اعتداده بعقيدته، ولينادى مفتخرا باتباعه شريعة ربه، وتمسكه بسنة نبيه، وليعلق قلبه وقالبه بمولاه عز وجل وحده دون سواه، ولينصره تبارك وتعالى في أوامره ونواهيه لينصره ربه كما وعده، حيث قال تعالى فى سورة محمد ” إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى