مقال

الدكرورى يكتب عن شهر العزة والنصر والتمكين” جزء 10″

جريدة الاضواء

الدكرورى يكتب عن شهر العزة والنصر والتمكين” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر مع شهر العزة والنصر والتمكين، وإن المعارك والغزوات التي كللت بالانتصار في هذا الشهر المبارك كثيرة، وقيل يكفى من القلادة ما أحاط بالعنق، أى أنه يكفى فخرا للمسلمين أن يستحضروا هذه المشاهد الخالدة فى التاريخ الإسلامى ليأخذوا منها الدروس والعبر، وإن المجاهدين المخلصين فى كل زمان ومكان قادرون بتوفيق من الله على صنع النصر من رماد الهزيمة، وبناء المصر والحضارة الراقية في خرائب العدوان، وزرع حدائق العلم والنور في ظلمات الجهل، إذا وجدوا من يُحسن قيادتهم، ويضرب لهم المثل والقدوة، ويتميز بالتضحية والشجاعة والإخلاص لله تعالى ويغلب همّ إعلاء كلمة هذا الدين على مصالحه الشخصية البالية الفانية، لكن إذا هانوا واستكانوا كانوا قصعة مستباحة لكل الأدعياء قبل الأعداء، وكان من إنتصارات شهر رمضان هى معركة حطين.

 

واسترداد بيت المقدس، وكانت بين المسلمين بقيادة صلاح الدين، وبين الصليبين، وقد وُلد صلاح الدين الأيوبى فى قلعة تكريت عام خمسمائة واثنين وثلاثين من الهجرة، واسمه يوسف بن أيوب بن شاذى، وهو كردى لا عربى، ولقبه صلاح الدين، وقد انتقلت أسرته إلى الموصل، ثم رافق والده الذى عُين حاكما على بعلبك ودرس صلاح الدين فيها أنواعا من العلوم، وتعلم الصيد والفروسية، ثم لحِق بعمه أسد الدين شيركوه فى حلب، وأبدى صلاح الدين فى دمشق مهارة وقدرة كبيرة، ثم رجع إلى حلب واهتم به نور الدين لملامح الفطنة التى رآها عليه، ثم إن عمه أسد الدين شيركوه قد اصطحبه معه إلى مصر بأوامر من نور الدين وكان نور الدين يسعى إلى تحقيق الوحدة الإسلامية، بين الشام ومصر لجعل الصليبيين بين شقي الرحا، وكان من أهداف نور الدين أن يُوحد بلاد المسلمين لحرب النصارى.

 

وهو يعلم علما تاما أنه لا يمكن أن يحارب المسلمون النصارى وهم متفرقون، وفى هذا درس عظيم لكل من يرى أن نبدأ بالأعداء الخارجيين قبل الأعداء الداخليين، وقد قام المجاهد عماد الدين زنكى، بعد قتال عنيف مع الحاميات الصليبية باستعادة بعض المدن والإمارات من أبرزها إمارة الرها، وواصل خلفه نور الدين محمود، التصدى للفرنجة، فمد نفوذه إلى دمشق واستكمل القائد المجاهد صلاح الدين الأيوبى تلك الانتصارات فكانت معركة حطين الشهيرة التي استرد بعدها بيت المقدس عام خمسمائة وثلاثة وثمانون من الهجرة، وكان صلاح الدين الأيوبى يعلم علم اليقين أن النصارى الصليبيين ليسوا من السهولة أبدا، ولذلك سارع إلى إدخال إصلاحات جذرية في الجهاد، وكان يطبق قول الله تعالى ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”

 

ولذلك هيّأه الله سبحانه وتعالى، لترتيب صفوف المسلمين، وفى تخطيطه لإعداد الأمة للجهاد، لم يكن الرجل يُعد نفسه وأهل بيته فقط، ولا المدن التي كانت حوله فقط، كان يُعد الأمة الإسلامية قاطبة لحرب الصليبيين، وابتدأت المسألة من جوانب الاقتصاد، وإعداد السلاح، والجند والجيوش، والدواوين والأسلحة، والمؤن والذخائر والعتاد، والخطط الحربية، فكانت معركة حطين تمهيدا لدخول صلاح الدين إلى بيت المقدس، وتم بفضل الله نصر الله المبين حيث التقت جيوش المسلمين بجيوش الصليبيين في حطين، فلقد جمع الصليبيون عشرين ألف مقاتل، جمعوهم من كل دويلات الصليبيين واشتبك الجيشان، وانجلت المعركة عن نصر ساحق لصلاح الدين مع تدمير تام لجيش أعدائه، ولم يكن أمام جيش صلاح الدين بعد معركة حطين إلا أن يتقدم نحو القدس.

 

وقبل أن يتقدم نحوها استسلم له حصن طبرية، وفتح عكا، واستولى على الناصرية، وقيسارية، وحيفا، وصيدا، وبيروت، وبعدها اتجه صلاح الدين إلى القدس، ولكن الصليبيين تحصنوا بداخلها، فاتخذ صلاح الدين جبل الزيتون مركزا لجيوشه، ورمى أسوار المدينة بالحجارة عن طريق المجانيق التي أمامها، ففر المدافعون، وتقدم المسلمون ينقبون الأسوار، فاستسلم الفرنجة، وطلبوا الصلح، فقبل صلاح الدين، واتفق الطرفان على أن يخرج الفرنجة سالمين من المدينة على أن يدفع الرجل عشرة دنانير، والمرأة خمسة، والصبي دينارين، ووفّى المسلمون لهم بهذا الوعد، وكان ضمن من خرجوا البطريرك الأكبر يحمل أموال البِيع وهى الكنائس، وذخائر المساجد التى كان الصليبيون قد غنموها في فتوحاتهم،

 

ويُروى أن مجموعة من النبيلات والأميرات قلن لصلاح الدين وهن يغادرن بيت المقدس “أيها السلطان، لقد مننت علينا بالحياة، ولكن كيف نعيش وأزواجنا وأولادنا في أسرك؟ وإذا كنا ندع هذه البلاد إلى الأبد، فمن سيكون معنا من الرجال للحماية والسعي والمعاش؟ أيها السلطان، هب لنا أزواجنا وأولادنا، فإنك إن لم تفعل أسلمتنا للعار والجوع” فتأثر صلاح الدين بذلك، فوهب لهن رجالهن” رحمك الله يا صلاح الدين، فقد كنت مثالا للرحمة والعفو وحسن الخلق، وكنت مثالا حسنا لمبادئ الحضارة الإسلامية وعظمة الإسلام، وإن مَن علم حقارة الدنيا وسرعة فنائها، لم يأسف على ما فاته منها، ومَن علم حقيقة الآخرة وبقاء نعيمها، حرص على ألا يفوته شيء من فرصها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى