مقال

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 10″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء العاشر مع الاعتكاف، وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيُصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية فقال “ما هذا؟ فأخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “آلبر تردن بهن؟ فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال” وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت”اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي” وهكذا فقد أظلتنا أيام وليالي الاعتكاف، وما أدراكم ما الاعتكاف؟ فإنه إذا جاء الاعتكاف حنت النفوس المؤمنة.

 

واشتاقت لسالف عهدها مع الأنس والخلوة بربها، جاء وقت الدخول في غرفة العناية الإيمانية المركزة، يستنشق المؤمن عبير الإيمان في هذه الأجواء الروحانية، ويتزود المؤمن منها لتكون عونا له على مكابدة الحياة الدنيا في أمواج بحرها المتلاطم، فقد جاءت هذه الأيام والليالي المباركات، لنستريح من عناء الدنيا ولأوائها، ونقبل على الله العفو الكريم، ونتحرى ليلة القدر، ونطلب العفو منه سبحانه، وإن قاصمة الظهر وهو أن يدرك أناس هذه الأوقات، ويمنّ الله تعالى عليهم بالاعتكاف، ولكن لا يحصلون مقصوده، ولا يذوقون لذته، ويخرجون منه كما دخلوا، بل أسوأ مما دخلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى “كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل وتركه مرة، فقضاه في شوال، واعتكف مرة في العشر الأول.

 

ثم الأوسط، ثم العشر الأخير، يلتمس ليلة القدر، ثم تبيّن له أنها في العشر الأخير، فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه عز وجل وكان يأمر بخباء فيضرب له في المسجد يخلو فيه بربه سبحانه وتعالي، وكان إذا أراد الاعتكاف صلى الفجر، ثم دخله، فأمر به مرة، فضُرب فأمر أزواجه بأخبيتهن، فضربت، فلما صلى الفجر، نظر فرأى تلك الأخبية، فأمر بخبائه فقوض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال، وكان يعتكف كل سنة عشرة أيام، فلما كان في العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما، وكان يعارضه جبريل بالقرآن كل سنة مرة، فلما كان ذلك العام عارضة به مرتين، وكان يعرض عليه القرآن أيضا في كل سنة مرة، فعرض عليه تلك السنة مرتين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف، دخل قبته وحده، وكان لا يدخل بيته في حال اعتكافه إلا لحاجة الإنسان.

 

ولم يباشر امرأة من نسائه وهو معتكف لا بقبلة ولا غيرها، وكان إذا اعتكف طرح له فراشه، ووضع له سريره في معتكفه، وكان إذا خرج لحاجته، مر بالمريض وهو على طريقه، فلا يعرج عليه ولا يسأل عنه، واعتكف مرة في قبة تركية، وجعل على سدتها حصيرا، كل هذا تحصيلا لمقصود الاعتكاف وروحه، عكس ما يفعله الجُهّال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين” وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العشر التي يطلب فيها ليلة القدر قطعا لأشغاله.

 

وتفريغا لباله، وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، وكان يحتجر حصيرا يتخلى فيها عن الناس، فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس، حتى ولا لتعلم علم، وإقراء قرآن، بل الأفضل له الإنفراد بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه، وذكره ودعائه، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية، وإنما يكون في المساجد لئلا يترك به الجُمع والجماعات، فإن الخلوة القاطعة عن الجُمع والجماعات منهي عنها، وقد سُئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعة؟ قال هو في النار” فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الاعتكاف في المساجد، خصوصا في شهر رمضان، خصوصا في العشر الأواخر منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله، وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله، وما يرضيه عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى