مقال

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 6″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع الاعتكاف، ألا وإن الأفضل للمعتكف أن يتجنب التجمعات ولو كان ذلك لمسائل علمية، أو التباحث في مسائل فقهية فإن أهل العلم ذكروا أنه لا يستحب للمعتكف إقراء القرآن ولا الاشتغال بتدريس الحديث والفقه، كما نقل ذلك عن الإمام مالك وأحمد رحمهما الله، وذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في أحكام الاعتكاف، فاتقوا الله وأروا الله من أنفسكم خيرا، وأكثروا من الابتهال والدعاء، فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو أكمل الهدي، واختياره لنوافل العبادات في أوقات دون أوقات هو أفضل الاختيار، ونحن متعبدون لله تعالى باتباع سُنته، والتزام هديه، وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم رمضان بعبادات فعلها وشرعها لأمته اغتناما لفضيلته، واكتسابا لغنيمته، فقام بالناس جماعة في المسجد ليالي عدة، ثم ترك الاجتماع على ذلك خشية أن يفرض على الناس.

 

فكان قيام رمضان جماعة في المساجد من سُنته عليه الصلاة والسلام، واختص صلى الله عليه وسلم عشر رمضان الأخيرة بمزيد عمل واجتهاد، حتى كان عليه الصلاة والسلام يعتزل الناس، وينقطع في المسجد، خاليا عن كل الصوارف والعلائق، مُعلقا قلبه بالله تعالى يتحرى ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، وإن الاعتكاف سُنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليها، وشرعها لأمته، حتى قال الزهري رحمه الله ” عجبا للمسلمين تركوا الاعتكاف وإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه منذ دخل المدينة، كل عام في العشر الأواخر حتي قبضه الله تعالي” هذا وكان هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف أكمل الهدي، بعيدا عن غلاة المغالين، وجفاء المقصّرين، فإن الانقطاع عن الدنيا كان موجودا عند كثير من أرباب الديانات الأخرى، وفيه من الرهبنة والغلو ما فيه.

 

فمنهم من كان ينقطع في الأديرة والمغارات، أو يهجر الناس إلى الأدغال والغابات العمر كله، أو سنوات تطول أو تقصر ولكن الاعتكاف الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم يُحقق المقصود مِن صفاء القلب وجمعه، ويعيده إلى تخليته لربه سبحانه بعد عام من الانشغال بالأهل والولد والدنيا، ويتكرر ذلك في كل عام عددا من الليالي هي أفضل الليالي، ولقد كان المقصود الأعظم، والمطلوب الأكبر لاعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم هو طلب ليلة القدر كما في حديث أبي سلمه بن عبدالرحمن، أنه سأل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه فقال حدثني ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان، واعتكفنا معه فأتاه جبريل، فقال إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل.

 

فقال إن الذي تطلب أمامك، قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان فقال ” من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع” رواه البخاري، وكان محل اعتكافه عليه الصلاة والسلام معروفا للصحابة رضي الله عنهم وأراه بعضهم لبعض التابعين، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، قال نافع وقد أراني عبدالله رضي الله عنه المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد” رواه مسلم، وكما جاء في حديث ضعيف، عند ابن ماجه أن موضعه في الروضة التي بين منبره وبيته صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يحوط مكانه بخباء يشبه الخيمة أو القبة، يعتزل فيه لذكر الله تعالى وعبادته، كما في حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت.

 

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت اضرب له خباء، فيصلي الصبح ثم يدخله” رواه البخاري، وكان طعامه وشرابه يؤتى به إليه في معتكفه، ولا يخرج إلا للبول أو الغائط، وكان صلى الله عليه وسلم يناول رأسه للسيدة عائشة رضي الله عنها وهو في المسجد وهي في حجرتها، فترجله وهي حائض، كما جاء عنها رضي الله عنها أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه” رواه الشيخان، وفي رواية لمسلم “وكان لا يدخل البيت، إلا لحاجة الإنسان” وأخذ منه العلماء أن المباشرة الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته، وجواز إخراج المعتكف بعض أعضائه من المسجد لحاجة يتناولها أو يمدها، وأن الشعث والتفل ليس مقصودا في الاعتكاف بل يتنظف المعتكف، ويعتني بجمال هيئته، وحُسن رائحته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى