تقارير و تحقيقات

فاتن أمل حربي “قراءة وتحليل ” 

جريدة الاضواء

فاتن أمل حربي “قراءة وتحليل ”

 

بقلم_عبدالشكورعامر

لا نُنكر أن الدعايا بالفن اصبحت إحدى اهم واخطر وسائل وطرق الإقناع والإستقطاب الفكري والمجتمعي فى العصر الحديث ، فمن بين جميع أعمال الدراما الرمضانية هذا العام تابعت وبحرص حلقات المسلسل الذي أثار الكثير من الجدل من ناحيتين :

الأولى: مؤلف العمل وهو الكاتب “إبراهيم عيسى” كونه شخصية جدلية تتعمد إثارة القضايا الخلافية بين الحين والحين ، ومدى أهليته لكتابة مثل هذا النوع من الأعمال التى تناقش قضايا حساسة وشائكة ومعظمها لم يتفق عليها علماء الفقه والشريعة والقانون ، ومازالت تمثل ساحةً ومضماراً للخلاف والجدل بين أرباب الصناعة وجهابذة الفقه الإسلامي وترزية الدساتير والقوانين الوضعية حول العالم .

 

الثانية : القضية محور العمل الدرامي والتى تدور حول حقوق المرأة ، خاصة حال كونها زوجة أو أرملة أو مطلقة، وحقها فى الحضانة حال الزواج بعد الإنفصال ، وماتمثلة مثل هذه القضايا من ساحة للإشتباك الفقهي والمجتمعي والقانوني منذ مئات السنين ، وحتى قبل سن ووضع القوانين المنظمة للعلاقة بين الزوجين والحضانة والنفقة وتداولها فى عالم الواقع بين أقسام الشرطة وأروقة محاكم الأسرة وغيرها من جهات الفصل والإختصاص .

 

الجدير بالتناول هنا هو أن الكاتب و مؤلف النص الدرامي قد تناول العديد من القضايا من خلال عرض المشكلة وتناولها من عدة جوانب وعرضها على المشاهد ، واعتمد المؤلف على عدة أساليب لكسب قضيته من الناحية المجتمعية وتحقيق نصر فقهي وإجتماعي وفكري عجز عن تحقيقه فى ساحة برامجه الحوارية على تيار المحافظين والذي تمثله مؤسسات الدولة الدينية الرسمية من وجهة نظر تيار التجديد والحداثة الذي يقوده مجموعة من المفكرين الجُدد وفى مقدمتهم مؤلف النص الدرامي ” فاتن امل حربي” الكاتب “إبراهيم عيسى” محل النقد والتحليل بين أيدينا والذي يتم عرضه فى شهر رمضان الجاري 2022 على شاشات الفضائيات .

 

الجديد هنا فى” أمل حربي ” أن الكاتب بعد أن فشل فى ساحة المعركة والمواجهة الفكرية والفقهية والتاريخية الحوارية مع المؤسسة الدينية الرسمية وتيار المحافظين ، لجأ عيسى إلى أسلوب جديد وساحة جديدة ، ربما حقق فيها نصراً مؤقتاً ، وأحرز تقدماً لا نستطيع أن نُنكره بإستقطاب شريحة لابأس بها من المشاهدين والمتابعين للعمل الدرامي ” فاتن امل حربي” ، وهو المواجهة الفكرية والفقهية من خلال الفن والعرض الدراماتيكي ، أو ما يمكن أن نُطلق عليه المدرسة الرومانتيكية أو مدرسة القرآنيين التي تؤمن بظاهر النص القرآني وترفض النص النبوي أيا كان موقعه او مصدره .

 

لكن نتوقف عند عدة نقاط للتعليق والتحليل للعمل الدرامي من خلالها بشئ من المنطق والحيادية ، وأول هذه الملاحظات التي يجب أن نعرضها للقارئ ما جاء في مسلسل “فاتن أمل حربي” من شبهات واضحة للتشكيك فى ثوابت الشريعة الإسلامية و إنكار للسنة النبوية

ومن أخطر الشبهات التي قام عيسى بطرحها بالعمل الدرامي هو محاولته الواضحة والمستميتة وبطريقة فجة التفريق بين النص القرآني والسنة النبوية ، ووضعهما فى صورة متعارضة لمفهوم ومنطقوق النصين ، بحيث يظن المشاهد أن هناك ثمة تعارض بين القرآن والسنة النبوية ، وهذا ما حاول المستشرقون عبر تاريخهم المشبوه ومن خلال كتبهم و جل مؤلفاتهم ان يثبتوه ، لكنهم فشلوا فى ذلك فشلاً ذريعاً ، وهو ما يحاول زعيم مايسمون أنفسهم بالتنوريين ان يعيدوا صياغته وطرحه مرة أخرى فى صورة جديدة من خلال الفن والدراما .

 

فالمشككون فى ثوابت العقيدة والشريعة و الذين يطلقون على أنفسهم القاباً مثل التنوريين والحداثيين والمجددين والمدافعين عن حقوق المرأة والحريات والمدنية ، يحاولون أن يستعطفوا المشاهد بمثل هذه الأعمال التي صيغت فى قالب ما بين التراجيديا والأكشن والفكاهة والإستعطاف المبالغ فيه ، لإظهار التعارض بين النص القرآني والنبوي ، وذلك بغرض التشكيك فى ثوابت الفقه والشريعة الغراء وكأنها جاءت لتعذيب المرأة وإهانتها وسلبها أبسط حقوقها فى الأمومة والحياة .

 

لذلك من منظور المؤلف وكنتيجة حتمية لهذا التعارض والظلم الذي تتعرض له المرأة ، يحب الثورة على هذه الثوابت الفقهية والتقاليد الدينية التى تكبل المرأة وتحرمها من حقوقها حتى وإن كان مصدرها الدين كما يزعم المؤلف فى عرضه للقضية من خلال العمل الدرامي .

كيف يمكن أن نطلق على كل من يحاول التشكيك فى ثوابت الشريعة والإنتقاص من قدر وجهد العلماء مفكراً أو تنورياً !!

 

لقد دأب دعاة التنوير والحداثة الفكرية على التشكيك فى ثوابت الدين وسنة النبي الكريم مراراً وتكراراُ ، فمرة ينكرون الإسراء والمعراج من خلال التشكيك فى الرواة تارة وضعف اسانيدها تارة وإستحالة حدوثها او الجدوى من حدوثها ووقوعها تارة أخرى ، وتارة ينكرون سنة صلاة التراويح ويطرحون أسئلة غبية على القارئ ، منها ما الجدوى والفائدة من صلاتها فى جماعة ؟

ومن بين القضايا والثوابت التى قام راس وزعيم التنوريين بطرحها بصورة ساخرة حول فريضة الصيام ، فتجده يُشكك فى الفريضة وفهم النص القرآني الذي يؤكد على وجوب وفرضية الصيام على المسلمين ، معللاً فرضيته الواهية بأن هناك فهم خاطئ للنص القرآني من قبل العلماء والفقهاء والمتعلق بفرضية ووجوب الصيام من حيث دلالة النص وكيفية أدائه .

فإنكاره لمعجزة المعراج ، وإنكاره المستمر والمتكرر للسنة النبوية ، وإهانته للصحابة الكرام ، وإنكاره لسنة التراويح ، وحديثه عن عمر الفاروق ، وخالد بن الوليد سيف الله المسلول بسخرية مدعومة بأكاذيب غريبة ، واحترامه وتعظيمه لمن يقدس ويعبد الأبقار والأوثان ، وسخريته من الشباب الذين يداومون على قراءة القرآن وغيرها من الجهالات والأكاذيب الممنهجة ، لهو العبث والشذوذ والإستبداد الفكري بعينه ، ومع كل هذا العداء للدين والسخرية والإستهزاء برموز الدين القدامى منهم والحديثيين ، يوصف المؤلف : بالمفكر العظيم !! فما هذا الهراء؟ أليس منكم رجل رشيد ؟

 

ومن الشبهات الكاشفة والفاضحة لخبث النوايا والأغراض والهدف من هذا العمل الدارامي والتي جاءت فى ” فاتن أمل حربي” ذلك المشهد الذي تسال فيه الشيخ وذلك على سبيل المثال لا الحصر : ( هل القرآن قال هذا أم الفقهاء….عاوزين كلام ربنا بس….ا؟ ، وكأن فقهاء الإسلام اجتهدوا ونسبوا للقرآن مالم ليس فيه ، ولم يجتهدوا فى استنطاق واسنباط الحكم الشرعي من النص القرآني والنبوي الصحيح ، وهنا نستنتج ضحالة ووضاعة وخبث الهدف من هذا العمل الدرامي الساقط فنياً وأدبياً ، وهو محاولة التلبيس على المشاهد بإظهار أن هناك ثمة تعارض بين النصين القرآني والنبوي ، وثمة فهم خاطئ وإستنتاج غير صحيح من العلماء لمنطوق ومفهوم النص والأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها الشرعية الصحيحة ، وبالتالي يجب على المسلمين أن لا يؤمنوا بغير القرآن كمصدر للتشريع ويتجاهلوا النص النبوي المبين والمفسر للقرآن فى اغلب احكامه .

 

فكيف ذلك والقرآن أكد على وجوب اتباع والعمل بما شرعه الرسول الكريم فى آية واضحة وصريحة لا تقبل التشكيك وهو قوله تعالى ” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا ” فقد تغافل مؤلف النص عن هذه الآية التي تمنح الرسول الكريم أحقية وتفويضاًواضحاً من حيث التشريع للمسلمين ، وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

 

فتلك بعض الشبهات التي تعرض لها المؤلف فى نصه الدرامي حاول بها أن يلبس الحق بالباطل من خلال عمل درامي اقل ما يُقال عنه أنه ضعيف نصاً وإخراجاً ، ولم يرقى إلى مصاف وابسط مستويات الأعمال الفنية العادية والمتواضعة ، والتى تخضع لمعايير النقاد من حيث التأليف والأداء والواقعية والحيادية فى تناول الموضوع والإستدلال المنطقي حول فرضية ما يطرحه من قضايا وموضوعات شائكة ، خاصة إذا ماتعلقت بثوابت الدين والعقيدة الإسلامية والأمن المجتمعي والإستقرار الأسري .

إن مراجعة مثل هذا الأعمال الفنية قبل عرضها على المشاهد من قبل لجنة متخصصة أصبح ضرورة ملحة حتى لا تتعرض ثوابتنا وعقيدتنا للتشكيك من قِبل من يُطلقون على أنفسهم تنوريين أو مٌدافعين عن الحقوق والحريات أياً كانت مناصبهم او مواقعهم أو دوافعهم .

لذا فإن مواجهة مثل هذا الأفكار التنويرية الظلامية لا يقل أهمية عن مواجهة الإرهاب الفكري والمجتمعي حتى لا يتحول المجتمع إلى غابة فكرية يخاطب فيها بليل من ليس من أهل العلم والإجتهاد فيخلط الغث بالثمين والحلال والحرام والمنكر بالمعروف ويتصدر مشهد التوجيه من ليس اهلاً له من دعاة التنوير والتغريب والتغييب على شاشات الفضائيات ومواقع السوشيال ميديا ، فيقحمون بجهلاتهم المجتمع فى غياهب الضلال الفكري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى