مقال

الدكروري يكتب عن الإمام أبا يزيد البسطامي ” جزء 2″ 

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام أبا يزيد البسطامي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام أبا يزيد البسطامي، ونظرت فإذا العاشق والمعشوق والعشق واحد لأن الكل واحد في عالم التوحيد، ويقول أبو يزيد رفعني الله فأقامني بين يديه وقال لي يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك، فقلت زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا رأيناك فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هناك، وهذا بلا أدنى شك أسلوب فريد في ادعاء الاتحاد بالله والتقمص بلباس الألوهية، ولكن لنسمع التحليل من صوفي معاصر غارق في تصوفه وهو الدكتور عبد الرحمن بدوي حيث يقول لقد نصب الله الخلائق بين يدي أبي يزيد وها هي ذي تتحرق إلى رؤياه في هذا المقام، لكن لكي يمكنهم أن يروه كان عليه أن يطلب إلى الله أن يزين أبا يزيد بوحدانيته ويلبسه أنانيته، أي أنه يلتمس من الله أن يخلع عليه ثوب الألوهية.

 

ويطلق لسانه عن نفسه فيتحدث بصيغة المتكلم ويتحد بالله نهائيا، بحيث تكون الإشارة إليه وإلى الله واحدة، ولقد أجابه الله إلى طلبته هذه وزيادة فصرخ هذه الصرخة القوية الرهيبة لما أن خلع عليه الحق رداء الربوبية “سبحاني ما أعظم شأني” وأي شأن أعظم من أن يبلغ مرتبة الألوهية ويتحقق له الاتحاد التام بالحق، لقد كان هذا أقصى ما يسعى إليه فما أعظم شأنه إذن وقد بلغ الغاية وتحقق بالنهاية، وقد حكي عنه شحطات ناقصات، قد تأولها كثير من الفقهاء والصوفية وحملوها على محامل بعيدة، وقد قال بعضهم إنه قال ذلك في حال الاصطلام والغيبة، ومن العلماء من بدعه وخطأه وجعل ذلك من أكبر البدع، وأنها تدل على اعتقاد فاسد كامن في القلب ظهر في أوقاته، والله أعلم، وكان لأبي يزيد أخوات صالحات عابدات، وهو أجلهم، فقيل لأبي يزيد بأي شيء وصلت إلى المعرفة؟ فقال ببطن جائع وبدن عاري.

 

وكان يقول دعوت نفسي إلى طاعة الله تعالي فلم تجبني فمنعتها الماء سنة، وقال إذا رأيت الرجل قد أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود والوقوف عند الشريعة، وقال ابن خلكان وله مقامات ومجاهدات مشهورة، وكرامات ظاهرة، وقيل أنه جاء أحد الفقهاء إلى أبي يزيد البسطامي يبكي ويشتكي من نار شوقه إلى رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له أبا يزيد أحقا تريد رؤيته؟ قال إي والله، فقال له أبو يزيد عندك ثلاث مائة ليرة ذهب قد دفنتها تحت عتب دارك أخرجها وأنفق ثلثها لوجه الله وانزع عنك عمامتك هذة, والبس ثياب الفقراء، واشتري بعض الطعام والحلوى ووزعه على فقراء المسلمين وبإذن الله سترى النبي صلى الله عليه وسلم، فتعجب ذلك الفقيه وقال من الذي أخبرك بذلك الذهب الموجود عندي.

 

قال له أبو يزيد، أخبرني الذي تبكي شوقا من أجل أن تراه، وكثيرون من رجال التصوف ادعوا أنهم قد عرج بهم إلى السماوات العلى، فمنهم عبدالكريم الجيلي وقد زعم أنه رأي مشاهد في السماوات وذلك في الكشف الصوفي وقد سبق الجيلي من زعم مثل هذا، ويبدو أن أول من افترى ذلك هو أبو يزيد البسطامي الذي جعل لنفسه معراجا كمعراج الرسول صلى الله عليه وسلم وراح يحدثنا كيف أنه عرج بروحه إلى السماوات سماء سماء وأن بغيته كانت في الفناء في الله، أو على حد قوله البقاء مع الله إلى الأبد، وهذه هي الفكرة البرهمية الوثنية نفسها في الفناء في الذات الإلهية حسب زعمهم، ولكن البسطامي أول من افتري له أو عليه ذلك، حيث يدعي أنه عرج به إلى السماء السابعة فالكرسي، فالعرش، وأن الله قال له إلى إلي، وأجلسه على بساط قدسه وقال له “يا صفي ادن مني وأشرف على مشارف بهائي.

 

وميادين ضيائي واجلس على بساط قدسي، وهكذا، وهذا هو نص المعراج الكاذب المنسوب إلى أبي يزيد البسطامي، في رؤيا أبي يزيد في القصد إلى الله تعالى، وأما عن بيان قصته فقال أبو القاسم العارف، رضي الله عنه اعلموا معاشر القاصدين إلى الله سبحانه وتعالى أن لأبي يزيد حالات ومقامات لا تحتملها قلوب أهل الغفلة وعامة الناس، وله مع الله أسرار لو اطلع عليها أهل الغرة لبهتوا فيها، وإني نظرت في كتاب فيه مناقب أبي يزيد، فإذا فيه أشياء من حالاته وأوقاته وكلامه، ما كلت الألسن عن نعته وصفته، فكل من أراد أن يعرف كماله ومنزلته فلينظر إلى نومه ورؤياه التي هي أصح في المعنى، وأقرب في التحقيق من يقظة غيره، فهذا ما حكى أن خادم أبي يزيد رضي الله عنه قال سمعت أبا يزيد البسطامي رضي الله عنه يقول إني رأيت في المنام كأني عرجت إلى السماوات قاصدا إلى الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى