مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن القيم الجوزية ” جزء 7″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن القيم الجوزية ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السابع مع الإمام إبن القيم الجوزية، وكلما كان العهد بالرسول صلي الله عليه وسلم أقرب كان الصواب أغلب، ومن الأصول الشرعية التي يعتمد عليها القياس، وقد ذكر أقسامه ورد على شُبه المنكرين له في كتاب إعلام الموقعين، ويأخذ بالاستصحاب والمصالح المرسلة وسد الذرائع كسائر الحنابلة، كما يعتمد العُرف ويأخذ منه الأحكام، وأما عن الحسن والقبح العقليان، فقد ناقش ابن القيم مسألة الحسن والقبح العقليين أكثر من مرة في كتبه مثل مدارج السالكين وشفاء العليل ومفتاح دار السعادة، وانتهى إلى أن حُسن الأشياء وقبحها، والثواب عليها والعقاب يعرف من جهة العقل دون ترتيب ثواب أو عقاب على ذلك، بينما التكليف لا يكون إلا بعد بعثة الرسل ونزول الأمر الإلهي، فيقول إن الكذب لا يكون قط إلاّ قبيحا، إن تخلف القبح عن الكذب لفوات شرط أو قيام مانع.

 

يقتضي مصلحة راجحة على الصدق لا تخرجه عن كونه قبيحا لذاته، وقال وأنه أي الشرع لم يجئ بما يخالف العقل والفطرة، وإن جاء بما يعجز العقول عن أحواله والاستقلال به، فالشرائع جاءت بمحارات العقول لا محالاتها، وفرق بين ما لا تدرك العقول حسنه وبين ما تشهد بقبحه، فالأول مما يأتي به الرسل دون الثاني، وأما عن بطلان الحيل، فقد اهتم ابن القيم بذكر مسألة بطلان الحيل اهتماما شديدا، حيث ذكرها في كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين في أكثر من ثلاثمائة صفحة، وكررها في كتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان في نحو مائتين صفحة، وذكر فيها بطلان الحيل والخداع التي أخرجها الناس باسم الدين ثم يقول في النهاية ولعلك تقول قد أطلت الكلام في هذا الفصل جدا، وقد كان يكفي الإشارة إليه، فيقال بل الأمر أعظم مما ذكرنا وهو بالإطالة أجدر.

 

فإن بلاء الإسلام ومحنته عظمت من هاتين الطائفتين أهل المكر والمخادعة والاحتيال في العمليات وأهل التحريف والسفسطة والقرمطة في العلميات، وكل فساد في الدين والدنيا فمنشؤه من هاتين الطائفتين، فبالتأويل الباطل قتل عثمان رضي الله عنه، وعاثت الأمة في دمائها، وكفر بعضها بعضا، وتفرقت على بضع وسبعين فرقة، فجرى على الإسلام من تأويل هؤلاء، وخداع هؤلاء، ومكرهم ما جرى، واستولت الطائفتان وقويت شوكتهما، وعاقبوا من لم يوافقهم وأنكر عليهم، ويأبى الله إلا أن يقيم لدينه من يذب عنه ويبين أعلامه وحقائقه لكيلا تبطل حجج الله وبيناته على عباده، وأما عن مسألة بقاء النار وفنائها، وذكر ابن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح مسألة بقاء النار وفنائها، حيث جمع أقوال المؤيدين والمعارضين لهذه المسألة، وأشار إلى أن ابن تيمية قد حكى بعض هذه الأقوال.

 

وابن القيم له قولان في هذه المسألة، حيث مال إلى القول بفناء النار، وقواه وأيده بالأدلة في حادي الأرواح وشفاء العليل، ثم قال بأبدية النار وعدم فنائها في كتابيه الوابل الصيب من الكلم الطيب وطريق الهجرتين وباب السعادتين، فقال في الوابل الصيب وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشيء المتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات، طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب كانت دورهم ثلاثة دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد.

 

فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض، ولقد كان لابن القيم مؤيدون وتلاميذ كثر أثنوا عليه، كما أثنى عليه عدد من علماء عصره، وأثنوا على كتبه، ومن ثناء العلماء عليه، أنه قال ابن حجر العسقلاني ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قَيِّم الجوزية، صاحب التصانيف النافعة السائرة، التي انتفع بها الموافق والمخالف، لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته، وقال كان جرئ الجنان، واسع العلم، عارفا بالخلاف ومذاهب السلف، وقال القاضي برهان الدين الزرعي ما تحت أديم السماء أوسع علما منه، وقال شيخه جمال الدين المزي هو في هذا الزمان كابن خزيمة في زمانه، وقال ابن رجب الحنبلي ولا رأيت أوسع منه علما، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى