مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن القيم الجوزية ” جزء 6″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن القيم الجوزية ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع الإمام إبن القيم الجوزية، وصوفية الأرزاق الذين يتخذون التصوف حرفة لكسب الرزق، وصوفية الرسم وهم المقتصرون على النسبة للصوفية في اللباس والآداب الوضعية، وقد أنكر عددا من البدع التي وقع فيها المتنسبون للتصوف مثل القول بوحدة الوجود مثل ابن عربي والحلاج، والقول بسقوط التكليف، والتفرقة بين الحقيقة والشريعة، وتحكيم الذوق ورفض العلم، والتعبّد بما لم يُشرع الله تعالي ومما قاله عن ذلك حتى قيل لبعض من زعم أنه ذاق ذلك قم إلى الصلاة، فقال يطالب بالأوراد من كان غافلا وكيف بقلب كل أوقاته ورد؟ فمن لم ير القيام بالفرائض إذا حصلت له الجمعية أي يعني اجتماع القلب فهو كافر منسلخ من الدين، ومن عطل لها مصلحة راجحة كالسنن الرواتب، والعلم النافع، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنفع العظيم المتعدي، فهو ناقص.

 

أي أن فعله ناقص وفيه خلل، وفي مصطلح الحديث، فقد قسّم ابن القيم الحديث المتواتر إلى متواتر لفظا ومعنى، ومتواتر معنى، وإن لم يتواتر لفظه، فأشار إلى ذلك قائلا كالأخبار الواردة في عذاب القبر، والشفاعة، والحوض، ورؤية الرب تعالى، وتكليمه عباده يوم القيامة، ونحو ذلك مما يُعلم بالاضطرار أن الرسول صلي الله عليه وسلم جاء بها، فإنه ما من باب من هذه الأبواب، إلا وقد تواتر فيها المعنى المقصود عن النبي صلي الله عليه وسلم تواترا معنويا، متنع في مثلها في العادة التواطؤ على الكذب عمدا أو سهوا، أما خبر الآحاد فمذهبه أنه يفيد العلم، موافقا لمذهب أهل الحديث ومخالفا لأهل الكلام، ويشترط في أخبار الآحاد أن تكون مروية بنقل العدل الضابط، عن العدل الضابط، عن مثله، حتى تنتهي إلى النبي صلي الله عليه وسلم، أما الحديث الصحيح فقد تناول ابن القيم شروط الحديث الصحيح في عدة مناسبات.

 

وبين أن الحديث لا يصح إلا بتوافر هذه الأمور، فقال فإن الحديث إنما يصح بمجموع أمور، منها صحة سنده، وانتفاء علته، وعدم شذوذه ونكارته، وأن لا يكون راويه قد خالف الثقات أو شذ عنهم، كما كان يفرق بين قولهم حديث صحيح وإسناده صحيح، فيقول ومن له خبرة بالحديث يفرق بين قول أحدهم هذا حديث صحيح، وبين قوله إسناده صحيح، فالأول جزم بصحة نسبته إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم والثاني شهادة بصحة سنده، وقد يكون فيه علة أو شذوذ، فيكون سنده صحيحا، ولا يحكمون أنه صحيح في نفسه، أما الحديث الحسن فيرى أنه على مراتب منها ما يقارب الصحيح ومنها ما يقارب الضعيف، أما الحديث المرسل فذهب إلى قبوله إذا توافرت فيه عدة شروط، فقال المرسل إذا اتصل به عمل، وعضده قياس، أو قول صحابي، أو كان مُرسله معروفا باختيار الشيوخ.

 

ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين، ونحو ذلك مما يقتضي قوته عُمل به وأيضا فقد عضده شواهد أخر، وأما في أصول الفقه، فيرى ابن القيم أن نصوص الكتاب والسنة الصحيحة هي الأصل الأول للاستنباط التي لا ينبغي تجاوزها إلى ما سواها ما لم يجد الحكم الفقهي فيها، وأنه ليس في السنة الصحيحة ما يعارض القرآن من أي وجه، بل يقسّم السنة إلى سنة موافقة شاهدة بنفس ما جاء في القرآن، وسنة مُفسرة، وسنة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب، فالسنة قد تزيد على القرآن، وهذه الزيادة من الدين لا يسع أحدا رفضها فيقول وليس هذا تقديما لها على الكتاب بل امتثالا لما أمر الله به من طاعة رسول الله، كما يرى أن الأحاديث الصحيحة لا تتعارض فيما بينها فإذا كان هناك تعارض في الظاهر كان مرجعه إلى ثلاثة احتمالات أنه ليس بحديث، أو أن أحدهما ناسخ للآخر.

 

أو أن التعارض في فهم السامع لعدم قدرته على الفهم لا في الحقيقة، أما عمل أهل المدينة فيأخذ به إذ لم يخالف السنة الصحيحة، كما يأخذ بالإجماع ويعتبره حجة ولكنه استبعد ادعاء معرفته، فيقول فإن علم المجتهد بما دل عليه القرآن والسنة أسهل بكثير من علمه باتفاق الناس في شرق الأرض وغربها على الحكم، وقال ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب والسنة على الإجماع، وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة، كما يرى الأخذ بفتوى الصحابة وفتوى التابعين فيفصل في ذلك قائلا جواز الفتوى بالآثار السلفية والفتاوي الصحابية، وأنها أولى بالأخذ بها من آراء المتأخرين وفتاويهم، وأن قربها إلى الصواب بحسب قرب أهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وأن فتاوى الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين، وفتاوى التابعين أولى من فتاوى تابعي التابعين، وهلم جرا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى