مقال

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 9″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء التاسع مع جمال الدين الأفغاني، وحبسه في قصره، ووشايات أبي الهدى الصيادي، مما يقرب إلى الذهن فكرة التخلص منه بأية وسيلة، هذا إلى أن الغدر والاغتيال كانا من الأمور المألوفة في الأستانة، وما ذكره الأمير شكيب أرسلان في كتاب حاضر العالم الإسلامي، قال ما خلاصته أنه لما اشتد التضييق على السيد جمال الدين أرسل إلى مستشار السفارة الإنجليزية يطلب منه إيصاله إلى باخرة يخرج بها من الأستانة، فجاءه المستشار وتعهد له بذلك، فلما بلغ السلطان الخبر أرسل إليه أحد حجابه يثنيه أن لا يمس كرامته إلى هذا الحد ولا يتلمس حماية أجنبية فثارت في نفسه الحمية والأنفة، وأخبر مستشار السفارة بأنه عدل عن السفر، ومهما كان فليكن، ولكن الرقابة عليه بقيت كما كانت، وبعد أشهر من هذه الحادثة ظهر في فمه مرض السرطان.

 

فصدرت الإرادة السلطانية باجراء عملية جراحية يتولاها الدكتور قمبور زادة إسكندر باشا كبير جراحي القصر السلطاني، فأجرى له العملية الجراحية فلم تنجح، وما لبث إلا أياما قلائل حتى فاضت روحه، ومن هنا تقول الناس في قصة هذا السرطان، وهذه العملية الجراحية، لقرب عهد المرض بتغير السلطان عليه، وما كان معروفا من وساوس عبد الحميد، فقيل أن العملية الجراحية لم تعمل على الوجه اللازم لها عمدا، وقيل لم تلحق بالتطهيرات الواجبة فنيا، بحيث انتهت بموت المريض، وذكر الأمير شكيب أن المستشرق المعروف الكونت لاون استروروج حدثه أن السيد الأفغاني كان صديقه، فدعاه إليه بعد إجراء العملية الجراحية وقال له إن السلطان أبى أن يتولى العملية إلا جراحه الخاص، وإنه هو رأي حال المريض ازدادت شدة بعد العملية.

 

ورجا منه أن يرسل إليه جراحا فرنساويا مستقل الفكر طاهر الذمة، لينظر في عقبى العملية، فأرسل إليه الدكتور لاردي، فوجد أن العملية لم تجر على وجهها الصحيح، ولم تعقبها التطهيرات اللزمة، وأن المريض قد أشفى بسبب ذلك، وعاد إلى استروروج، وأنبأه بهذا الأمر المحزن، ولم تمضي أيام حتى فارق جمال الدين الحياة، وذكر واحد ممن كانوا في خدمة عبد الحميد، بعد أن روى له الأمير هذه القصة أن قمبور زاده إسكندر باشا كان أطهر وأشرف من أن يرتكب مثل تلك الجريمة، وحقيقة الواقعة أنه كان بالأستانة طبيب اسنان عراقي اسمه جارح، يتردد كثيرا على جمال الدين، ويعالج اسنانه، وكانت نظارة الضابطة وهي إدارة الأمن العام قد استمالت جارح هذا بالمال، وجعلته جاسوس على السيد، وصار له عدوا في ثياب صديق.

 

وقال صاحب هذه الرواية أنه أراد مرة أن يمنع الطبيب المذكور من الاختلاط بجمال الدين، فأشار إليه ناظر الضابطة إشارة خفية بأن يتركه، وفهم من الإشارة أن يذهب إلى السيد ويعالج اسنانه، بعلم من النظارة، والسيد لا يعلم بشيء من ذلك، ويطمئن إلى جارح ويثق به، ولم تمضي عدة أشهر على حادثة الشاه حتى ظهر السرطان في فك السيد من الداخل، وأجريت له عملية جراحية فلم تنجح، وجارح هذا ملازم للمريض، وبعد موته كانوا يرونه دائما حزينا، يبدو على وجهه الوجوم والخزى، مما جعلهم يشتبهون أن يكون له يد في إفساد الجرح بعد العملية، أو في توليد المرض نفسه من قبل بوسيلة من الوسائل، ولما مات السيد بدا الندم على الطبيب الأثيم، وشعر بوغز الضمير يؤنبه على خيانته هذا الرجل العظيم، وكانت وفاته صبيحة يوم الثلاثاء التاسع من شهر مارس.

 

سنة الف وثماني مائة وسبع وتسعين من الميلاد، وما أن بلغ الحكومة العثمانية نعيه حتى أمرت بضبط أوراقه وكل ما كان باقيا عنده، وأمرت بدفنه من غير رعاية أو احتفال في مقبرة المشايخ بالقرب من نشان طاش فدفن كما يدفن أقل الناس شأنا في تركيا وتحت مراقبة الدولة، وقبر فيلسوف الاسلام ورائد نهضتها جمال الدين الافغاني في وسط جامعة كابل، وتم نقل جثمانه من تركيا في عام ألف وتسعمائة وأربعة وأربعون من الميلاد، في موكب إسلامي مهيب إلى بلده أفغانستان، حيث دفن في مدينة كابل ويقع ضريحه حاليا في وسط جامعة كابول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى