مقال

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 8″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 8″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثامن مع جمال الدين الأفغاني، فكان دوره في المجتمعات الشرقية ومنها إيران غير مشكوك، حتى قيل أن جمال الدين كان المنبه الأول للانقلاب الذي حدث بفارس وهي إيران، في أواخر القرن الماضي، ومكث جمال الدين بالبصرة ريثما عادت إليه صحته، ثم رحل إلى لندن، فتلقاه الإنجليز بالإكرام، ودعوه إلى مجتمعاتهم السياسية والعلمية، وحمل على الشاه وسياسته حملات صادقة في مجلة سماها ضياء الخافقين، ودعا الأمة الفارسية إلى خلعه، وقويت دعوته الحرية في إيران، وأشتد السخط على الشاه ناصر الدين إلى أن قتل سنة الف وثماني مائة وست وتسعين من الميلاد، بيد فارسي أهوج، وقيل أن للأفغاني دخلا في التحريض على قتله، وتولى بعده مظهر الدين، وأستمرت دعوة الحرية التي غرسها جمال الدين في إيران تنمو وتترعرع حتى آلت إلى إعلان الدستور الفارسي.

 

وكان ذلك سنة ألف وتسعمائة وست ميلادي، وفيما هو بلندن ورد عليه كتاب آخر بتكرار دعوته فلبى الطلب وذهب إلى الأستانة سنة الف وثماني مائة واثنين وتسعين من الميلاد، وكانت هذه المرة الثانية لوروده هذه المدينة، والمرة الأولى كانت في عهد السلطان عبد العزيز كما تقدم بيانه، حيث دعاه السلطان عبد الحميد الثاني إلى جواره، وأغلب الظن أنه أراد أن يكون عونا له في الجامعة الإسلامية باستضافته فيلسوف الإسلام، وقد لبى جمال الدين دعوته، آملا أن يرشده إلى إصلاح الدولة العثمانية، لأن مقصده السياسي هو انهاض دولة إسلامية أيا كانت إلى مصاف الدول العزيزة القوية، فسار إلى الأستانه لتحقيق هذا المقصد، وحفه عبد الحميد الثاني بالرعاية والإكرام وانزله منزلا كريما في قصر بحي نشان طاش، من أفخم أحياء الأستانة، وأجرى عليه راتبا وافرا، قيل أنه خمس وسبعون ليرة عثمانية في الشهر.

 

ومضت مدة وجمال الدين له عند السلطان منزلة عالية، ثم ما لبث أن تنكر له، وأساء به الظن، واستمع إلى الوشايات والدسائس، وكان الشيخ أبو الهدى الصيادي الذي نال الحظوة الكبرى عند مولاة يكره أن يظفر أحد بثقته فوشى بالأفغاني عند السلطان وأوغر عليه صدره فاحيط الأفغاني بالجواسيس يحصون عليه غدواته وروحاته، ويرقبون حركاته وسكناته، وذكر الأمير شكيب أرسلان في هذا الصدد في كتاب حاضر العالم الإسلامي، أن الأفغاني كان وعبد الله النديم الكاتب والخطيب المشهور في متنزه الكاغد خانة، فصادفا الخديوي عباس حلمي وسلم بعضهم على بعض، وتحادثوا نحو ربع ساعة تحت شجرة هناك، فقيل أن الشيخ أبا الهدى قدم تقريرا للسلطان بأن جمال الدين وعبد الله النديم تواعدا مع الخديوي على الاجتماع في الكاغد خانة، وهناك عند الاجتماع بايعاه للخديوي عباس تحت الشجرة.

 

ويقول الأمير شكيب أن السلطان بحسب قول جمال الدين لم يحفل بهذه الوشاية، ولكنا نميل إلى الاعتقاد أنها تركت أثرا في نفسه، وغيرت قلبه على الأفغاني، وذكر أن الذي أدى إلى وحشة السلطان منه استمراره في مجالسه على القدح في شاه العجم ناصر الدين، مما حمل سفير إيران على الشكوى منه إلى السلطان، فاستدعاه، وطلب إليه الكف عن مهاجمة الشاه فقبل، ولكن حدث أن قتل الشاه سنة الف وثماني مائة وست وتسعين من الميلاد، فاشتدت الريبة في جمال الدين، واتجهت إليه شبهة التحريض على قتله، فأمر السلطان بتشديد الرقابة عليه، ومنع أي أحد من الاختلاط به إلا بإرادة سلطانية، فأصبح محبوسا في قصره، وتواترت الروايات بأن جمال الدين مات شبه مقتول، وتدل الملابسات والقرائن على ترجيح هذه الرواية، فإن اتهامه بالتحريض على قتل الشاه، وتغيير السلطان عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى