مقال

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السابع مع جمال الدين الأفغاني، وأول مدينة وردها مدينة لندن، وأقام بها أياما معدودات، ثم انتقل إلى باريس، وكان تلميذه الشيخ محمد عبده منفيا في بيروت عقب إخماد الثورة، فاستدعاه إلى باريس، فوافاه إليها، وهناك أصدر جريدة العروة الوثقى، وقد سميت باسم الجمعية التي أنشأتها، وهي جمعية تألفت لدعوة الأمم الإسلامية إلى الاتحاد والتضامن والأخذ بأسباب الحياة والنهضة، ومجاهدة الاستعمار، وتحرير مصر والسودان من الاحتلال، وكانت تضم جماعة من أقطاب العالم الإسلامي وكبرائه وهي التي عهدت إلى الأفغاني بإصدار الجريدة لتكون لسان حالها، واشتركا معا في تحريرها، وكانت مقالاتها جامعة بين روح جمال الدين، وقلم الشيخ محمد عبده، فجاءت آيات بينات سمو المعاني، وقوة الروح وبلاغة العبارة، وهي أشبه ما تكون بالخطب النارية، تستثير الشجاعة في نفوس قارئها.

 

وتداني في روحها وقوة تأثيرها أسلوب الإمام علي كرم الله وجهه في خطبه الحماسية المنشورة في نهج البلاغة، واتخذت العروة شعارها إيقاظ الأمم الإسلامية، والمدافعة عن حقوق الشرقيين كافة، ودعوتهم إلى مقاومة الاستعمار الأوربي والجهاد، وقد ذاع شأنها في العالم الإسلامي وأقبل عليها الناس في مختلف الأقطار، ولكن الحكومة الإنجليزية أقفلت دونها أبواب مصر والهند، وشددت في مطاردتها واضطهاد من يقرؤها، وبلغ بها السعي في مصادرتها أن اوعزت إلى الحكومة المصرية بتغريم كل من توجد عنده العروة الوثقى خمسة جنيهات مصرية إلى خمسة وعشرين جنيها، وأقامت الموانع دون استمرارها، فلم يتجاوز ما نشر منها ثمانية عشر عددا، وقضى جمال الدين في باريس ثلاث سنوات، كان لا يفتأ خلالها بنشر المباحث والمقالات الهامة في مقاومة اعتداء الدول الأوربية على الأمم الإسلامية.

 

ويراسل تلاميذه في مصر، وجمال الدين قد جرت له أبحاث مع الفيلسوف إرنست رينان في العالم الإسلامي وأكبر فيه رينان عبقريته، وسعة علمه وقوة حجته، وقال عنه قد خُيل إلى من حرية فكره ونبالة شيمه، وصراحته، وأنا أتحدث إليه، أنني أرى وجها لوجه أحد من عرفتهم من القدماء، وأنني أشهد ابن سينا أو ابن رشد، أو أحد أولئك الملاحدة العظام اللذين ظلوا خمسة قرون يعملون على تحرير الإنسانية من الإسار، كما رآه أيضا الكاتب الفرنسي رشفور، فقال فيه السيد جمال الدين من سلالة النبي، ويكاد هو نفسه أن يكون نبيا، ثم أخذ جمال الدين يتنقل بين باريس ولندن إلى أوائل فبراير سنة ألف وثماني مائة وست وثمانين ميلادي، الموافق شهر جمادي الأولى سنة ألف وثلاثمائة وثلاث من الهجرة، وفيه ذهب إلى بلاد فارس ثم إلى روسيا، ولما كان معرض باريس سنة ألف وثماني مائة وتسع وثمانين ميلادي.

 

رجع جمال الدين إليها، وفي عودته منها التقى بالشاه في ميونخ عاصمة بافاريا، فدعاه إلى صحبته إذ كان يرغب في الانتفاع بعلمه وتجاربه، فأجاب الدعوة، وسار معه إلى فارس، وأقام في طهران، فحفه علماء فارس وأمراؤها وأعيانها بالرعاية والإجلال، واستعان به الشاه على إصلاح أحوال المملكة، وسن لها القوانين الكفيلة بإصلاح شئونها، ولكنه استهدف لسخط أصحاب النفوذ في الحكومة، وخاصة الصدر الأعظم، فوشوا به عند الشاه، واسر إليه الصدر الأعظم أن هذه القوانين تؤول إلى انتزاع السلطة من يده، فأثرت الوشايات في نفس الشاه، وبدأ يتنكر للسيد فاستاذنه في المسير إلى المقام المعروف بشاه عبد العظيم، وهو على بعد عشرين كيلو متر من طهران، فاذن له، فوافاه به جم غفير من العلماء والوجهاء من انصاره في دعوة الإصلاح، فازدادت مكانته في البلاد، وتخوف الشاه عاقبة ذلك على سلطانه فاعتزم الإساءة إليه.

 

ووجه إلى الشاه عبد العظيم خمسمائة فارس قبضوا عليه وكان مريضا، فانتزعوه من فراشه واعتقلوه، وساقه خمسون منهم إلى حدود المملكة العثمانية منيفا، فنزل بالبصرة، فعظم ذلك على مريديه، واشتدت ثورة السخط على الشاه، فأقام جمال الدين بالبصرة زمنا حتى أبل من مرضه، ثم أرسل كتابا إلى كبير المجتهدين في فارس محمد حسن الشيرازي، عدد فيه مساوئ الشاه، وخص بالذكر تخويله إحدى الشركات الإنجليزية حق احتكار التنباك في بلاد فارس، وما يفضي إليه من استئثار الأجانب بأهم حاصلات البلاد، وكان هذا النداء من أعظم الأسباب التي جعلت كبير المجتهدين يفتي بحرمة استعمال التنباك إلى أن يبطل الامتياز، فاتبعت الامة هذه الفتوى، وامسكت عن تدخينه، واضطر الشاه خوف انتقاض الأمة إلى إلغائه، ودفع للشركة الإنجليزية تعويضا فخلصت فارس من التدخل الأجنبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى