مقال

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 6″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن جمال الدين الأفغاني ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السادس مع جمال الدين الأفغاني، وعلى رأسهم عبد السلام بك المويلحي باشا، الذي يعد من تلاميذه الأفذاذ، وقد جاء ذكر النائب المويلحى ضمن تلاميذ جمال الدين ومريديه على لسان سليم بك العنجوري أحد أدباء سورية حين زار مصر ووصف مكانة الأفغاني بقوله في خلال سنة ألف وثماني مائة وثماني وسبعين من الميلاد، زاد مركزه خطرا وسما مقامه، لأنه تدخل في السياسات وتولى رئاسة جمعية الماسون العربية وصار له أصدقاء وأولياء من أصحاب المناصب العالية، مثل محمود سامي البارودي الذي نفي أخيرا مع عرابي إلى جزيرة سيلان، وعبد السلام بك المويلحي النائب المصري في دار الندوة، وأخيه إبراهيم المويلحي كاتب الضابطة، وكثر سواد الذين يخدمون افكاره، ويعلون بين الناس مناره، من أرباب الأقلام، مثل الشيخ محمد عبده، وإبراهيم اللقاني.

 

وعلى بك مظهر، والشاعر الزرقاني، وأبي الوفاء القوني في مصر، وسليم النقاش، وأديب إسحاق، وعبد الله النديم في الإسكندرية، ولم يكن جمال الدين الأفغاني مناصرا لإسماعيل، بل كان ينقم منه استبداده وإسرافه، وتمكينه الدول الاستعمارية من مرافق البلاد وحقوقها، وكان يتوسم الخير في توفيق، إذ رآه وهو ولي للعهد ميالا إلى الشورى، ينتقد سياسة أبيه وإسرافه، وقد اجتمعا في محفل الماسونية والتي لم تكن تبدو كمنظمة سيئة في ذلك الوقت، وتعاهدا على إقامة دعائم الشورى، لكن توفيق لم يفي بعهده بعد أن تولى الحكم، فقد بدا عليه الانحراف عن الشورى واستمع لوشايات رسل الاستعمار الأوربي، وفي مقدمتهم قنصل إنجلترا العام في مصر، إذ كانوا ينقمون من جمال الأفغاني روح الثورة والدعوة إلى الحرية والدستور، فغيروا عليه قلب الخديوي، وأوعزوا إليه بإخراجه من مصر.

 

فأصدر أمره بنفيه وكان ذلك بقرار من مجلس النظار منعقدا برآسة الخديوي، وكان نفيه غاية في القسوة والغدر، إذ قبض عليه فجر الأحد الخامس من رمضان سنة ألف ومائتان وست وتسعين من الهجرة، الموافق الرابع والعشرين من شهر أغسطس لعام ألف وثماني مائة وتسع وسبعين ميلادي، وهو ذاهب إلى بيته هو وخادمه الأمين أبو تراب، وحجز في الضبطية، ولم يمكن حتى من أخذ ثيابه، وحمل في الصباح في عربة مقفلة إلى محطة السكة الحديدية، ومنها نقل تحت المراقبة إلى السويس، وانزل منها إلى باخرة اقلته إلى الهند، وسارت به إلى بومباي، ولم تتورع الحكومة عن نشر بلاغ رسمي من إدارة المطبوعات بتاريخ الثامن من شهر رمضان سنة ألف ومائتان وست وتسعين من الهجرة، الموافق السادس والعشرين من شهر أغسطس لعام ألف وثماني مائة وتسع وسبعين ميلادي.

 

ذكرت فيه نفي الأفغاني بعبارات جارحة ملؤها الكذب والأفتراء، مما لا يجدر بحكومة تشعر بشيء من الكرامة والحياء أن تسئ إليه، فهي قد نسبت إليه السعي في الأرض بالفساد، وهو الذي لم يكن يسعى إلا إلى يقظة الأمة، وتحريرها من رقة الذل والعبودية، وذكرت عنه أنه رئيس جمعية سرية من الشبان ذوي الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا، وحذرت الناس من الاتصال بهذه الجمعية، ومن المؤلم حقا أن يتقرر النفي ويصدر مثل هذا البلاغ من حكومة يرأسها الخديوي توفيق باشا وهو على ما تعلم من سابق تقديره للأفغاني، ومن وزرائها محمود باشا سامي البارودي ناظر الأوقاف وقتئذ، وقد كان من اصدق مريديه وانصاره، ونفي جمال الدين من مصر، على أن روحه ومبادئه وتعاليمه تركت أثرها في المجتمع المصري وبقيت النفوس ثائرة تتطلع إلى نظام الحكم.

 

وإقامته على دعائم الحرية والشورى فجمال الدين هو من الوجهة الروحية والفكرية أبو الثورة العرابية، وكثير من أقطابها هم من تلاميذه أو مريديه، والثورة في ذاتها هي استمرار للحركة السياسية التي كان لجمال الدين الفضل الكبير في ظهورها على عهد إسماعيل، ولو بقي في مصر حين نشوب الثورة لكان جائزا أن يمدها بآرائه الحكيمة، وتجاربه الرشيدة، فلا يغلب عليها الخطل والشطط، ولكن شاءت الأقدار، والدسائس الإنجليزية، أن ينفى الأفغاني من مصر، وهي أحوج ما تكون إلى الانتفاع بحكمته وصدق نظره في الأمور، وأقام الأفغاني بحيدر أباد الدكن، وهناك كتب رسالته في الرد على الدهريين، وألزمته الحكومة البريطانية بالبقاء في الهند حتى انقضى أمر الثورة العرابية، وبعد أن أخفقت الثورة العرابية، واحتل الإنجليز مصر، فسمحوا للأفغاني بالذهاب إلى أي بلد فاختار الذهاب إلى أوروبا فقصد إليها سنة ألف وثماني مائة وثلاث وثمانين ميلادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى