مقال

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 15″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 15″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس عشر مع هيا نودع رمضان، لأن ذلك الشهر قد مر ولم يستفد منه لأن ذلك الموسم العظيم قد حصل ولم ينهل منه، لم ينتهز الفرصة فتبا له، وإذا كان لم ينتهز الفرصة العظيمة فهو لإهمال ما هو أدنى منها من باب أولى، أى إذا فرط في رمضان فتفريطه في غير رمضان من باب أولى، ولذلك أبعده الله لأنه لا يستحق أجره، ولا يستحق الرحمة ولا المغفرة، ولا شك أيها المسلمون أننا قد حصل منا تطفيف بالصيام والقيام، وقد حصل منا إخلال بآداب الصوم الواجبة والمستحبة، فإن الفائزين في رمضان , كانوا في نهارهم صائمون وفي ليلهم ساجدون بكاء خشوع, وفي الغروب والأسحار تسبيح وتهليل وذكر واستغفار, ما تركوا بابا من أبواب الخير إلا ولجوه, ولكنهم مع ذلك, قلوبهم وجله وخائفة،لا يدرون هل قبلت أعمالهم أم لم تقبل ؟ وهل كانت خالصة لوجه الله أم لا ؟

 

فإن المعول على القبول لا على الاجتهاد، والاعتبار ببر القلوب وطهارتها، لا بعمل الأبدان، رُب قائم حظه من قيامه التعب والسهر، كم من قائم محروم، ونائم مرحوم، هذا نائم وقلبه ذاكر، وهذا قائم وقلبه فاجر، لكن العبد مأمور بالسعي في اكتساب الخيرات، والاجتهاد في الأعمال الصالحات والانزجار عن المكروهات، وأعمال السيئات، وكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فيُيسرن لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيسرون لعمل أهل الشقاوة، فالمبادرة المبادرة، إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر، فعسى أن تدرك ما فات من ضياع العمر، فإن الصيام وسائر الأعمال من وفاها فهو من خيار عباد الله الموفين، ومن طفف فيها فويل للمطففين، إذا كان الويل لمن طفف ميكال الدنيا فكيف حال من طفف ميكال الدين؟ فيا أيها العاصي وكلنا كذلك لا تقنط من رحمة الله لسوء أفعالك.

 

فكم في هذه الأيام من معتق من النار، من أمثالك؟ فأحسن الظن بمولاك وتب إليه، فإنه لا يهلك على الله إلا هالك، والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها، فتختم به الصلاة والحج وقيام الليل، وتختم به المجالس، فإن كانت ذكرا، كان كالطابع عليها، وإن كانت لغوا كان كفارة لها فكذلك ينبغي أن يُختم صيام رمضان بالاستغفار، فكتب عمر بن عبدالعزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار، والصدقة، صدقة الفطر فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، والاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث، ولقد رحل رمضان ورحيله مر على الجميع، الفائزين والخاسرين، الرحيل مر على الفائزين لأنهم فقدوا أياما ممتعة، وليالي جميلة، نهارها صدقة وصيام، وليلها قراءة وقيام، نسيمها الذكر والدعاء، وطيبها الدموع والبكاء، شعروا بمرارة الفراق فأرسلوا العبرات والآهات.

 

كيف لا وهو شهر الرحمات، وتكفير السيئات، وإقالة العثرات؟ كيف لا والدعاء فيه مسموع، والضر مدفوع، والخير مجموع؟ كيف لا نبكي على رحيله ونحن لا نعلم أمن المقبولين نحن أم من المطرودين؟ كيف لا نبكي على رحيله ونحن لا ندري أيعود ونحن في الوجود أم في اللحود؟ فإن الفائزون من خشية ربهم مشفقون نعم، هم فائزون ولكنهم من خشية ربهم مشفقون، على رغم أنهم في نهاره في صيام وقراءة قرآن وإطعام وإحسان، وفي ليله سجود وركوع وبكاء وخشوع، وفي الغروب والأسحار تسبيح وتهليل وذكر واستغفار، فإن الفائزون شمروا عن سواعد الجد، فاجتهدوا واستغفروا وأنابوا ورجعوا، ما تركوا بابا من أبواب الخير إلا ولجوه، ولكن مع ذلك كله، قلوبهم وجلة خائفة بعد رمضان، أقبلت أعمالهم أم لا؟ أكانت خالصة لله أم لا؟ أكانت على الوجه الذي ينبغي أم لا؟

 

كان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يحملون همّ قبول العمل أكثر من همّ القيام بالعمل نفسه، فقال عبد العزيز بن أبي رواد أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوا وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟ لا يغفلون عن رمضان، فإذا فعلوا وانتهوا يقع عليهم الهمّ أيقبل منهم أم لا؟ وقال علي رضي الله تعالى عنه “كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل، ألم تسمعوا لقول الحق عز وجل ” إنما يتقبل الله من المتقين” وقال مالك بن دينار “الخوف على العمل ألا يتقبل أشد من العمل” وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان ينادى في آخر رمضان فيقول “يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟” وعن ابن مسعود أنه قال “من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه؟” وبعد هذه الأيام مَن منا أشغله هذا الهاجس وقد مضى رمضان؟ فمن منا أشغله هاجس هل قبلت أعماله أم لا؟ هل نحن من الفائزين في رمضان أم لا؟ من منا لسانه يلهج بالدعاء أن يقبل الله منه رمضان؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى