مقال

الدكروري يكتب عن جوهر الدين ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن جوهر الدين ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الثالث مع جوهر الدين، وكلهم حريصون عليه ويحرصون على أن تظل قيم الإسلام موجودة، لأنه إذا فقدت قيم الإسلام كان المجتمع كأنه غابة فيها نفر من اللئام، ينتشر فيها الظلم، وينتشر فيها الكذب، وينتشر فيها الخداع، وينتشر فيها قول الزور، وغيرها من الأخلاق التي نراها الآن، ولا رجوع عنها إلا برجوعنا إلى قيم الإيمان، وقال صلى الله عليه وسلم ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” وقال صلى الله عليه وسلم ” تجدون أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا والموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المؤمن إلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ” وقد جعل رسول صلى الله عليه وسلم برنامج الإصلاح الإلهي للمجتمعات أن يبدأ من الأفراد قبل الجماعات، يبدأ بالإنسان أولا بإصلاح نفسه، وتقويمها على أخلاق كتاب الله.

وقياسها بالأخلاق الكريمة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يبدأ بإصلاح أهل بيته، زوجته وولده وبناته، ثم بعد ذلك الأقرب فالأقرب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البرنامج النوراني ” إبدأ بنفسك ثم بمن تعول ثم الأقرب فالأقرب” ولكن لنا الوقفة المهمة وهي أن تعلم إن الأعمال التي يقوم بها المراءون ولو شيدوا مساجد وطبعوا كتبا وعملوا صدقات، إذا كانوا يقصدون الرياء فإنها أعمال كذب وليست بصدق، وقد يكون الكذب في الحركات التعبيرية، كإشارات اليد والعين، والحاجب والرأس، فإن كانت مطابقة للواقع فهى صدق وإن كانت مخالفة فهي كذب، فلو سئل إنسان مثلا هل أودع فلان عندك مالا؟ فهز برأسه نافيا دون أن يتكلم، وقد أودع صاحبه عنده المال فعلا، فإن هذه الحركة كذب، وإن من مجالات الصدق أيضا هو الصدق في النية والإرادة.

وهو الإخلاص في قصة أصحاب الغار الثلاثة، ولنعلم أن أول من تسعّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، وهم عالم وقارئ ومجاهد، رواه الترمذى، لأنهم ما أرادوا وجه الله، أما الصادقون في النية والعمل، الذين يصدقون الله تعالى فإن الله يصدقهم ويصدّقهم، ويأتي لهم بالنتائج التي يحبها، ومن الأمثلة التي وردت في السنة ما جاء في حديث شداد بن الهاد “أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فآمن به واتبعه، ثم قال “أهاجر معك، فأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم، به بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها شيئا، فقسم وقسم للأعرابى، فأعطى أصحابه ما قسم له لكي يوصلوه إلى الأعرابي، وكان يرعى ظهرهم ذلك الأعرابى المسلم، فلما جاءهم دفعوا إليه نصيبه، فقال ما هذا؟ قالوا قسم لك النبي صلى الله عليه وسلم.

فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ما هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم، قسمته لك قال ما على هذا تبعتك ولكن اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا، وأشار إلى حلقه، بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم، إن تصدق الله يصدقك، إن كانت فعلا هذه نيتك صدقت الله، فالله يصدقك، فلبثوا قليلا ثم نهضوا فى قتال العدو فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قد أصابه سهم حيث أشار، في نفس المكان الذى أشار إليه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم، أهو هو؟ قالوا نعم، فقال صلى الله عليه وسلم، صدق الله فصدقه ثم كفّنه النبي صلى الله عليه وسلم، فى جبته، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته ” اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا، أنا شهيد على ذلك” رواه النسائي، وكذلك الصدق يكون فيما يريد العبد أن يعزم عليه في المستقبل.

كما هو حال هذا الصحابي، فبعض الناس يقول إن آتاني الله مالا لأتصدقن ولأفعلن، هذه عزيمة لشيء في المستقبل، وقد تكون حقا، وكذلك فإن الصدق يكون فى الأحوال كلها، وهذه رتبة الصديقين الذين يصدقون في الأقوال والأعمال والنيات والعزائم، وإن الصدق له دواع كثيرة منها، العقل السليم، فإن العقل الصحيح يدفع إلى الصدق، وكذلك منها الشرع المؤكد، وهى الفطرة التي فطر الله الناس عليها والعقول السليمة تحب الصدق، وتميل إليه، وتنفر من الكذب، والدين يرد فيصدق العقل الصحيح، فلا شك أن الدين ورد باتباع الصدق وحظر الكذب، لكن الدين يزيد أشياء على الفطرة، والفطرة السليمة لا تعطي التفصيلات، لكن تميل إلى الحق، فالعقل قد يقول بجواز الكذب إذا كان فيه مصلحة أو لدفع مضرة، لكن يأتي الدين فيقول إن الكذب كله حرام لا يجوز، إلا في حال الضرورة والقلب مطمئن بالإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى