مقال

الدكروري يكتب عن الصدق مع الله عز وجل ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الصدق مع الله عز وجل ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه الصدق الذي تضمحل معه حظوظ النفوس ومشتهياتها، ففي قصة سقيفة بني سعد، بعد أن اختار أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب وأبا عبيدة ليبايعا، قال عمر “والله ما كرهت من قوله إلا ذلك” ثم قال “والله لأن أقدّم فأضرب فيُضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من إثم، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر” ثم قال “ابسط يدك”، فبايعه ثم بايعه المهاجرون والأنصار، إنه الصدق الذي حدا بالإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه حينما قال أبو بكر في أثناء البيعة وطلب الاعتذار، قال له علي “والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذا يؤخرك؟” إنه الصدق الذي حدا بالأنصار أن يقولوا “نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر، قدّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ديننا” أي في الصلاة، وما أروع ما ضربه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

من نماذج رائعة في الصدق مع البارئ سبحانه وتعالى بفضل التربية النبوية، والمدرسة المحمدية، فقد ذكر ابن حجر رحمه الله “أن سعد بن خيثمة استهم هو وأبوه يوم بدر فخرج سهم سعد، فقال له أبوه يابني آثرني اليوم، فقال سعد يا أبتى لو كان غير الجنة فعلت، فخرج سعد إلى بدر وبقي أبوه، فقتل بها سعد وقتل أبوه بعد ذلك خيثمة يوم أحد” وكل ذلك بسبب الصدق مع الله عز وجل فنالوا الشهادة التي هي أعظم مطلوب، وقيل أن عمير بن أبي وقاص رُدّ يوم بدر لصغره، فبكى فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم، قال سعد أخوه “رأيت أخي عميرا قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى حتى لا يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت مالك يا أخي؟ فقال إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني ويردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة.

 

فصدق وصدقه الله وأعلى درجاته بالشهادة في سبيله” وقيل أيضا أن أنس بن النضر رضي الله عنه، كان يأسف أسفا شديدا لعدم شهوده بدرا، فقال والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليرين الله ما كيف أصنع، وصدق في وعده مع الله، فلما كان يوم أحد مرّ على قوم أذهلتهم شائعة موت النبي صلى الله عليه وسلم، وألقوا بسلاحهم، فقال “ما يجلسكم؟ قالوا قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ياقوم إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قُتل فإن رب محمد حي لا يموت، وموتوا على ما مات عليه رسول الله” وقال “اللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء” ثم لقي سعد بن معاذ فقال “ياسعد، إني لأجد ريح الجنة دون أحد” ثم ألقى بنفسه في صف المشركين وما زال يقاتل حتى استشهد، فوجد فيه بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، فلم تعرفه إلا أخته ببنانه”

 

وكذلك فإن من المجالات المهم فيها الصدق هو البيع والشراء، وما أكثر الكذب الآن، في البيع والشراء، فإن الصدق في البيع والشراء سبب للبركة، قال النبي صلى الله عليه وسلم، البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبيّنا أي بمعني بين البائع السلعة هل فيها عيب أم لا؟ فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما” رواه البخاري ومسلم، والآن الناس يغشون في كل شيء إلا ما رحم الله، ونحن في هذا الزمان وهو آخر الزمان، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن الكذب سيفشو فيه، والصدق سيقل، وأن الصادقين سيضطهدون، فقال في الحديث الصحيح ” سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”رواه ابن ماجه ”

 

وفي أمر عامة الناس، وكل أهل البلد، يتكلم في أمرهم الرجل التافه، ولذلك المؤمنون يتحرون الصدق ولا يدفعهم ألم الغربة إلى أن يكونوا مع الكذابين ولو كثر الكذب، ولقد أصبح الكذب الآن من أهون الأشياء عند الناس، وإن بعض الناس يستسهلون الكذب في المزاح ويحسبون أنه مجال للهو، ويختلقون الأخبار من أجله، والإسلام أباح الترويح عن القلوب لكن ليس بالكذب، قال النبي صلى الله عليه وسلم ” أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب ولو مازحا “رواه النسائى، وقال صلى الله عليه وسلم ” ويل لمن يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب، ويل له ويل له “رواه ابو داود والترمذى والنسائي، والشاهد أن الناس يطلقون الأعنة لأخيلتهم في تلفيق الأضاحيك، ولا يحسون حرجا في إدارة الحديث المفترى المكذوب، ليتندّروا بالخصوم ويسخروا منهم، أو بخلق الله، وهذا اللهو بالكذب حرام ولا شك فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى