مقال

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 1″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

لا شك أن التجارة هي من أفضل الأعمال الدنيوية التي يعمل فيها الناس لتحصيل أرزاقهم وأرزاق أهليهم وعيالهم، وخدمة مجتمعاتهم، ومما يتميز به التاجر المسلم عن غيره هو تمسكه بقيم دينه، وتوكله الدائم على ربه، ولذلك كان لا بد لكل تاجر مسلم في هذا الزمان أن يتعرف على الأخلاق والمأمورات والمنهيات التي تتعلق بعمله وذلك لانتشار المحرمات، وكثرة الشبهات، التي تعتري أكثر المعاملات، فتحرفها عن الضوابط الشرعية التي أمر الله تعالى بها، وإن الكيّس مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله تعالى الأماني، ألا وإن من الأعمال التي أباحها الله تعالى لعباده المؤمنين العمل لكسب المعيشة، وأفضل ذلك كسب التجارة، ولكن التاجر والمتاجر من واجبهما أن يشفقا على دينهما فلا يلهيهما مالهما عن ذكر الله تعالى وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وعن يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار.

 

فلا ينبغي للمسلم أن يشغله معاشه عن معاده، فيكون عمره ضائعا، وصنعته خاسرة، وما يفوته من الربح من الآخرة لا يفي به ما ينال في الدنيا، فيكون ممن اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، بل العاقل ينبغي أن يشفق على نفسه، وشفقته على نفسه بحفظ رأس ماله ورأس ماله دينه، فيه ربحه ونجاته وسعادته، وفوزه في الدنيا والآخرة ومغفرة ذنوبه، وأطيب المساكن في أعلى الجنات، وإن هناك مقوله تقول لا تحدثني عن الدين كثيرا، ولكن دعني أرى الدين في سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك، وهذه هي الترجمة الحرفية والفورية لشريعة رب البرية سبحانه وتعالي، ولكننا إذا نزلنا الى ارض الواقع في حياتنا اليومية يوم أن ابتعدنا عن تعليم الدنيا وأصبحت الدنيا أكبر همنا ومبلغ علمنا ترى في اسواقنا اخلاقا ليست هي بأخلاق المسلمين كذبا وغشا وبخسا وتطفيفا وطمعا في نفوس كلا الفريقين البائع والمشتري.

 

وإن من آداب الأسواق التي ربما لا نراه في الأسواق هو إفشاء السلام وهو من شعائر الإسلام التي امرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإحيائها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل بن أبي بن كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق قال فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق فقلت له وما تصنع في السوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق قال وأقول اجلس بنا ها هنا نتحدث قال فقال لي عبد الله بن عمر.

 

يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا” رواه مالك، وأيضا من الآداب هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يخلو السوق من صخب وأقوال باطلة وكذب وأيمان فاجرة، والمسلم مأمور بأن يأمر بالمعروف على قدر استطاعته، فقال الله تعالي في سورة آل عمران ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر” فإذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر اختفت الرذائل والأمور الدنيئة، وعلا الحق وإذا أهمل الناس هذا الجانب ظهرت الرذيلة والشرور والفساد، فاذا رأيت منكر من غش أو سرقة وتحرش بالنساء واجب عليك ان تنهى عن ذلك المنكر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال “ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله.

 

قال “أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، مَن غش فليس مني” رواه مسلم، وعن سالم بن عبدالله أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبدالله بن عمر رضِي الله عنهما بالغلام داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال الرجل باعني عبدا وبه داء لم يُسمه، وقال عبدالله رضي الله عنه بعته بالبراءة، فقضى عثمان بن عفان رضي الله عنه على عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى عبدالله رضي الله عنه أن يحلف وارتجع العبد، فصحّ عنده، فباعه عبدالله رضي الله عنه بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم” رواه مالك، وإن الصفة الأولى التي ينبغي للتاجر المسلم ان يتصف بها هو ان يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه وأن ينزل البائع او المشتري منه منزلة نفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى