مقال

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع التاجر الأمين، فكما تحب أيها التجار لنفسك المكسب والربح أحبه لغيرك وكما لا تحب لنفسك الغبن والغش فلا تغبنن أحدا ولا تغشه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” كذا عند البخاري، وقال الله تعالي في سورة هود “ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين” وقيل إن البخس يشمل النقص والعيب في كل شيء، ويقال بخسه حقه وبخسه ماله وبخسه علمه وفضله، وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله نابغة في العلم، كان تاجرا ناجحا موفقا نتيجة الصيت الحسن والسمعة الطيبة، وكثرة الزبائن وإقبال الناس هي المقياس الحقيقي لنجاحه، وكان منهجه مروءة البيع والشراء، وذات يوم جاءته امرأة بثوب من الحرير تبيعه له، فسألها كم ثمنه؟

 

فقالت مائة، فقال هو خير من مائة، بكم تقولين؟ فزادت مائة مائة حتى بلغت أربعمائة درهم، فقال هو خير من ذلك، فقالت أتهزأ بي؟ فقال هاتي رجلا يقومه، فجاءت برجل فاشتراه بخمسمائة درهم، وفي رواية لامرأة أخرى جاءته فقالت إني ضعيفة وإنها أمانة، فبعني هذا الثوب بما يقوم عليك، فقال خذيه بأربعة دراهم، فقالت لا تسخر بي، وأنا عجوز، فقال إني اشتريت ثوبين، فبعت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم فبقي هذا الثوب علي إلا بأربعة دراهم، وإن من أخلاق التاجر المسلم هو أن يتقي البائع والمشتري ربه ويحذر من تطفيف الكيل والميزان حيث يقول الله جل وعلا في سورة المطففين ” ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين” وقال عن شعيب أنه قال لقومه.

 

” ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين” فمن المصيبة إخلال بالمكاييل والموازين وتخفيضها من بعض ما هي معروف وخداع الناس بذلك، وقال ابن عباس رضي الله عنهما لأصحاب المكيال والميزان في السوق “إنكم قد وليتم أمرين هلكت فيهما الأمم السالفة قبلكم الكيل، والميزان” وكان ابن عمر رضي الله عنهما يمر بالبائع فيقول “اتق الله، وأوف الكيل والوزن بالقسط، فإن المطففين يوم القيامة يوقفون حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم” وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “خمس بخمس، قيل يا رسول الله وما خمس بخمس؟ قال ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الموت، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر، ولا طففوا المكيال إلا حبس عنهم النبات، وأخذوا بالسّنين” رواه الطبراني.

 

وقيل عن أحوال المطففين عند الموت قال بعضهم دخلت على مريض وقد نزل به الموت، فجعلت ألقه الشهادة ولسانه لا ينطق بها فلما أفاق قلت له يا أخي، ما لي ألقنك الشهادة ولسانك لا ينطق بها؟ قال يا أخي لسان الميزان على لساني يمنعني من النطق بها فقلت له بالله أكنت تزن ناقصا؟ قال لا والله، ولكن ما كنت أقف مدة لأختبر صحة ميزاني” وعن مالك بن دينار قال دخلت على جار لي، وقد نزل به الموت، وهو يقول جبلين من نار، جبلين من نار، قلت ما تقول؟ قال يا أبا يحيى، كان لي مكيالان أكيل بأحدهما وأكتال بالآخر، فقال مالك فقمت، فجعلت أضرب أحدهما بالآخر، فقال يا أبا يحيى، كلما ضربت أحدهما بالآخر ازداد الأمر عظما وشدة، فمات في مرضه، ولقد حكى ابن ظفر في كتاب النصائح له قال كان يونس بن عبيد، بزازا وكان لا يبيع في طرفي النهار ولا في يوم غيم.

 

فأخذ يوما ميزانه فرضه بين حجرين فقيل له هلا أعطيته الصانع فأصلح فساده؟ فقال لو علمت فيه فسادا لما أبقيت من مالي قوت ليلة قيل له فلم كسرته؟ قال حضرت الساعة رجلا احتضر فقلت له قل لا إله إلا الله فامتعض فألححت عليه فقال ادع الله لي فقال هذا لسان الميزان على لساني يمنعني من قولها قلت أفما يمنعك إلا من قولها؟ فقال نعم قلت وما كان عملك به؟ قال ما أخذت ولا أعطيت به إلا حقا في علمي غير أني كنت أقيم المدة لا أفتقده ولا أختبره فكان يونس بعد ذلك يشترط على من يبايعه أن يأتي بميزان ويزن بيده وإلا لم يبايعه، وإن من الاخلاق التي يجب ن يتحلى بها المسلم والمسلمة عند البيع والشراء هو السماحة والسماحة في البيع هو أن يتساهل البائع في الثمن والمشتري في المبيع، والتساهل في المعسر بالثمن فيؤجل إلى وقت يساره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى