مقال

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن التاجر الأمين ” جزء 3″

بقلم / محمــــد الدكــــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع التاجر الأمين، ومما جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى” أي طالب بدينه، رواه البخاري، فمن يرجو رحمة الله سبحانه وتعالى، فإنه إذا تعامل مع الناس تعامل بحسن الخلق، لا ليقال خلقه حسن وإن كان من الحسن أن يمدح الإنسان وهو لا يطلب ذلك، وإنما يطلب ما عند الله سبحانه، فإن صاحب الخلق الحسن يكون يوم القيامة في درجة عظيمة جدا بجوار النبي صلوات الله وسلامه عليه بجوار باقي النبيين عليهم السلام، فالعبادة التي نحن مخلوقون لها ليست هي الصلاة وحدها وإن كانت الصلاة من أعظم العبادات ولكن العبادة التي خُلقنا من أجلها هي العبادة بمعناها الأعم، فيدخل فيها العبادات والمعاملات وأحوال الإنسان مع أهله وغيرهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه.

 

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “اشترى رجل من رجل عقارا، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جَرّة فيها ذهب، فقال الذي اشترى العقار للبائع خذ ذهبك، أنا اشتريت منك الأرض، ولم أشتر الذهب وقال الذي باع له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه ألكما ولد؟ قال أحدهما نعم وقال الآخر لي جارية أي بنت، قال أنكحا الغلام الجارية، وأنفقا على أنفسهما منه فانصرفا” رواه البخاري ومسلم، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه سمحا في بيعه وشرائه، سهلا في تعامله مع الناس، وعندما ابتاع أي اشترى حائطا وهو بستان أو حديقة من رجل فساومه حتى قاومه عن الثمن الذي رضي به البائع فقال عثمان أرنا يدك، فقال الرجل لا أبيعك حتى تزدني عشرة آلاف فالتفت عثمان إلى عبد الرحمن بن عوف فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أدخل الله الجنة رجلا كان سهلا، بائعا ومشتريا”

 

اذهب قد زدتك العشرة آلاف لأستوجب بها الكلمة التي سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي عن الحسن البصري أنه كان إذا اشترى شيئا أو باع وكان ثمنه كسرا اجبره لصاحبه، إذ يعتبر الإتمام من المروءة حتى لا تهون نفس البائع أو المشتري، وهذا من حسن التعامل والسماحة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم القائل “رحم الله امرأ سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى” وذات يوم وقف الحسن البصري على عبد الأعلى السمسار فقال له يا عبد الأعلى، أما يبيع أحدكم الثوب لأخيه فينقص درهمين أو ثلاثة؟ فقال له عبد الأعلى لا والله، ولا دانق أي سدس درهم واحد، فقال له الحسن إن هذه الأخلاق، فما بقى من المروءة إذا؟ واشترى أحد الناس من الحسن بغلة وقال أما تحط لي شيئا يا أبا السعيد؟ فقال الحسن لك خمسون درهما أزيدك؟ قال لا، رضيت، فقال الحسن بارك الله لك.

 

وإن من الأخلاق المفقودة في البيع والشراء هو الصدق في المعاملة بأن لا يكذب في إخباره عن نوع البضاعة ونفاستها ونحوه، عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “التاجر الصدوق الأمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة” والتاجر الصدوق لا يتاجر بإيمانه وإنما يتاجر مع الله تعالى بصدقة فيبارك الله تعالى له في رزقه، فمن آداب البيع والشراء ودلائل الصدق فيه هو عدم الإكثار من الحلف، بل عدم الحلف مطلقا لأن في ذلك امتهانا لاسم الله تعالى، حيث قال الله تعالى في سورة البقرة ” ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب” متفق عليه، أما ما نراه في الأسواق من حلف بالباطل وحلف بالزور فانه ليس من أخلاق أهل الإيمان ولا من شيم أهل الإسلام فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه.

 

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم ” قلت يا رسول الله من هؤلاء خابوا وخسروا؟ فأعادها ثلاث مرات، قال ” المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر “رواه مسلم، وهذا الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حدث في خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أن أصاب الناس قحط، فلما اشتد بهم الأمر ذهبوا إلى الخليفة، وقالوا له‏ ‏”يا خليفة رسول الله، إن السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت وقد توقع الناس الهلاك فماذا نصنع؟ فقال لهم “انصرفوا واصبروا، فإني أرجو ألا تمسوا حتى يفرّج الله عنكم فلما كان آخر النهار، وردت الأنباء بأن عيرا لعثمان بن عفان، قد قدمت من الشام، وتصبح بالمدينة، فلما جاءت، خرج الناس يتلقونها، فإذا هي ألف بعير موسوقة بُرّا وزيتا وزبيبا، فأناخت بباب عثمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى