مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الجرجاني

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الجرجاني

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

الإمام الجرجاني كان واحدا من العلماء الأفذاذ، فيُعد من علماء النحو والصرف والنقد والأدب، كما أنه يعد المؤسس الحقيقي لعلم البلاغة، وترجع شهرته إلى كتاباته فيها، وتعد كتبه من أهم الكتب التي ألفت في هذا المجال، ولا تزال مؤلفاته تلقي بظلالها على الدارسين إلى الآن، كما أنه ترك آثار مهمة في الشعر والأدب والنحو والصرف وعلوم القرآن، هو عبد القاهر بن عبد الرحمن، أبو بكر الجرجاني النحوي المشهور، واضع أصول البلاغة، فارسي الأصل، جرجاني الدار، عالم بالنحو والبلاغة، بل كان من أكابر النحويين، وإمام العربية واللغة والبيان، وأول من دون علم المعاني، وولد في جرجان لأسرة فقيرة الحال، نشأ مهتما بالعلم، مُحبّا للثقافة، فأقبل على الكتب يقرأها، وخاصة كتب النحو والأدب، ويُعد مؤسس علم البلاغة، وهو فارسي الأصل، جرجاني الدار، وولد في جرجان.

 

وعاش فيها دون أن ينتقل إلى غيرها حتى توفي سنة ربعمائة وواحد وسبعين من الهجرة، وقيل لا نعرف تاريخ ولادته، لأنه نشأ فقيرا، في أسرة رقيقة الحال، ولهذا أيضا، لم يجد فضلة من مال تمكنه من أخذ العلم خارج مدينته جرجان، على الرغم من ظهور ولعه المبكر بالعلم والنحو والأدب، وقد عوضه الله عن ذلك بعالمين كبيرين كانا يعيشان في جرجان هما أبو الحسين بن الحسن بن عبد الوارث الفارسي النحوي، نزيل جرجان، والقاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، قاضي جرجان من قبل الصاحب بن عبّاد، أخذ الإمام الجرجاني العلم عن أبي الحسين محمد الفارسي ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي كما أخذ الأدب على يد القاضي الجرجاني وقرأ كتابه الوساطة بين المتنبي وخصومه وإلى ذلك يشير ياقوت فيقول وكان الشيخ عبد القاهر الجرجاني قد قرأ عليه واغترف من بحره.

 

وكان إذا ذكره في كتبه تبخبخ به، وشمخ بأنفه بالانتماء إليه، وتتلمذ عبد القاهر على آثار الشيوخ والعلماء الذين أنجبتهم العربية، وهو في كتبه ينقل عن سيبويه والجاحظ وأبي علي الفارسي وابن قتيبة وقدامة بن جعفر والآمدي والقاضي الجرجاني وأبي هلال العسكري وأبو أحمد العسكري وعبد الرحمن الهمذاني والمرزباني والزجاج، وترك عبد القاهر الجرجاني آثارا مهمة في الشعر والأدب والنحو وعلوم القرآن، من ذلك ديوان في الشعر وكتب عدة في النحو والصرف نذكر منها كتاب الإيضاح في النحو وكتاب الجمل، أما في الأدب وعلوم القرآن فكان له إعجاز القرآن والرسالة الشافية في الإعجاز ودلائل الإعجاز وأسرار البلاغة وقد أورد في كتابيه الأخيرين، معظم آرائه في علوم البلاغة العربية، والإمام الجرجاني هو يعتبر مؤسس علم البلاغة، أو أحد المؤسسين لهذا العلم، ويعد كتاباه دلائل الإعجاز.

 

وأسرار البلاغة من أهم الكتب التي ألفت في هذا المجال، وقد ألفهما الجرجاني لبيان إعجاز القرآن الكريم وفضله على النصوص الأخرى من شعر ونثر، وقد قيل عنه كان ورعا قانعا، عالما، ذا نسك ودين، كما ألف العديد من الكتب، وله رسالة في إعجاز القرآن بعنوان الرسالة الشافية في إعجاز القرآن، فحققها مع رسالتين أخريين للخطابي والرماني في نفس الكتاب كل من محمد خلف الله أحمد ومحمد زغلول سلام، وهي من أفضل ماكتب في الإعجاز نفى فيها الجرجاني القول بالصرفة، مؤيدا كلامه بالأدلة القاطعة، والحجج الدامغة، وقال عنه الشيخ اليافعي وكلامه في المعاني والبيان يدل على جلالته وتحقيقه، وديانته وتوفيقه، وبرع عبد القاهر الجرجاني في فنون شتى، حيث يُعد من علماء النحو والصرف والبلاغة والنقد والأدب، وذاع صيته، وكان ذا مكانة رفيعة في كل هذه الفنون.

 

وذلك ثمرة لثقافته الواسعة واطلاعه المتواصل، فكان إماما بارعا مفتنا، انتهت إليه رياسة النحاة في زمانه، فتصدر في جرجان، وشدت إليه الرحال، وقصده طلاب العلم يقرؤون عليه ويقرؤون كتبه، وكان عبد القاهر الجرجاني شافعي المذهب متكلما على طريقة أبي الحسن الأشعري وفيه دين، كما كان ورعا قانعا، دخل عليه لص وهو في الصلاة فأخذ جميع ما في البيت ولم يقطع صلاته، وكان إماما في الأدب وله فضيلة تامة بالنحو، وصنف كتبا في النحو والأدب كثيرة ومفيدة، منها شرح الإيضاح ودلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة، وغير ذلك، كما أن له بعض الأشعار، وكان من كتبه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز والعوامل المئة، وهكذا كان العلامة عبد القاهر معجزة عصره وفريد دهره، مؤسس علم البلاغة، نادرة عصره الذي أحدث نقلة نوعية في فهم إعجاز القرآن الكريم حين جاء بنظرية النظم.

 

وأثبت من خلالها أن بلاغة القرآن في نظمه، والإمام عبد القاهر الجرجاني، الذي سبق الأوائل من قبله بهذه النظرية التي برهن لها في كتابه دلائل الإعجاز، كان شابا في ريعان شبابه حين أتى بما أتى به، وقد كان لعبد القاهر أثر كبير، ومكانة عظيمة في تاريخ البلاغة العربية، فقد كانت البلاغة قبله عبارة عن أفكار مبعثرة ومتناثرة حتى جاء عبد القاهر، وألف كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز فاستطاع أن يؤسس لعلم البلاغة، وقد كانت الدراسات قبل عبد القاهر تذهب إلى أن إعجاز القرآن في الصرفة، لكن الإمام عبد القاهر ذهب إلى أن إعجاز القرآن في نظمه، وكان كتابه دلائل الإعجاز عبارة عن برهنة لما ذهب إليه، فقد كان يستشهد بالبليغ من القول شعرا أو نثرا، ويثبت أنه ما حاز البلاغة والحسن والجمال إلا لما كمل فيه من حسن النظم ورونقه وجماله ليخلص من ذلك إلى أن القرآن الكريم إنما تكمن بلاغته في حسن نظمه.

 

فلذلك اهتم عبد القاهر الجرجاني بنظرية النظم القائمة على حسن الصياغة وتوخي معاني النحو، وهي تنظر إلى العلاقة بين اللفظ والمعنى من وجهة لغوية دقيقة نتيجة التحامها وشدة اندماجها، فعرف قيمة اللفظ في النظم، وعرف طريقة تصوير المعاني على حقيقتها، فجمع بين اللفظ والمعنى، وسوى بين خصائصهما، ورأى اللفظ جسدا والمعنى روحا يعتمد على حسن الصياغة ودقة التصوير التي نضجت في بحوثه، فاستطاع بذلك إبطال فكرة الفصل بين اللفظ والمعنى، وذهب إلى أن الفصاحة ليست صفة للفظ من حيث هو لفظ مجرد، إنما من خلال نظمه مع ما جاوره من خلال النظم، وأن قيمة المعاني تظهر من خلال التصوير وتوخي معاني النحو، وكذلك ربط بين علمي البيان والمعاني ربطا وثيقا، حين ذهب إلى أن جمال الاستعارة إنما يأتي بعد أن استكملت وجوه المعاني من تقديم وتأخير، وتعريف وتنكير.

 

وإسناد، فهو يعتبر المؤسس الحقيقي لعلم البلاغة، وكذلك المبدع الأول لفكرة النظم التي كشفت عن الوجه الأعظم في إعجاز القرآن الكريم من خلال بلاغته وحسن نظمه، وقطع بذلك الجدل القائم بين العلماء، فمنهم من أرجع الحسن للفظ، ومنهم من أرجعه للمعنى لأنه أشرف، حتى جاء عبد القاهر بنظرية النظم، فبين أن الحسن هو في النظم وتوخي معاني النحو، وأنه لا فضل للفظ، ولا فضل للمعنى، إنما حسن اللفظ نابع من تبعيته للنظم، فاللفظة الواحدة تكون حسنة في نظم، وهي ذاتها تكون قبيحة في نظم آخر، فدل ذلك على أن معيار الحسن والقبح، أو البلاغة وعدمها، إنما هو في نظم الكلام، ووقوع تلك اللفظة في ذلك النظم، وعاش الإمام عبد القاهر الجرجاني في جرجان دون أن ينتقل لبلد غيرها حتى وفاته، فتوفي سنة ربعمائة وواحد وسبعين من الهجرة، الموافق سنة ألف وثماني وسبعين ميلادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى