مقال

الدكروري يكتب عن الإمام ابن خلدون ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام ابن خلدون ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السابع مع الإمام ابن خلدون، ولا يكبن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها، ولعل ابن خلدون وابن رشد اتفقا على أن البحث في هذا العلم يستوجب الإلمام بعلوم الشرع حتى لا يضل العقل ويتوه في مجاهل الفكر المجرد لأن الشرع يرد العقل إلى البسيط لا إلى المعقد وإلى التجريب لا إلى التجريد، ومن هنا كانت نصيحة هؤلاء العلماء إلى دارسي الفلسفة أن يعرفوا الشرع والنقل قبل أن يمعنوا في التجريد العقلي، وامتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وقدرته على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع حرية في التفكير وإنصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه، وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي القضاء، إلى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه الأصيل تونس وبقية بلاد شمال أفريقيا إلى بلدان أخرى مثل مصر والحجاز والشام.

 

أثر بالغ في موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته، بسبب فكر ابن خلدون الدبلوماسي الحكيم، أرسل أكثر من مرة لحل نزاعات دولية، فقد عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيرا إلى أمير قشتالة لعقد الصلح وبعد ذلك بأعوام، استعان أهل دمشق به لطلب الأمان من الحاكم المغولي تيمورلنك، والتقوا بالفعل، وأما عن الفكر التربوي عند ابن خلدون، فإن له مساهمة فعالة في علم التربية والذي لم يكن معروفا كعلم أكاديمي مستقل مثل اليوم، وقد عملت دراسات كثيرة حول فكره التربوي، ويمكن إجمال أفكاره التربوية في أن العلم ينقسم إلى علمين علم نقلي وعلم عقلي، وكذلك التدرج في التعليم، وهو البدء بالمحسوسات والتدرج حتى الملموسات، حيث يكون تعليم الصبي بداية بعض سور القرآن الكريم وبعض الأشعار حتى تقوى ملكة الحفظ، وإن كثير من الكتاب الغربيين وصفو تقديم ابن خلدون للتاريخ.

 

بأنه أول تقديم لا ديني للتأريخ، وهو له تقدير كبير عندهم ربما تكون ترجمة حياة ابن خلدون من أكثر ترجمات شخصيات التاريخ الاسلامي توثيقا بسبب المؤلف الذي وضعه ابن خلدون ليؤرخ لحياته وتجاربه ودعاه التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا، تحدث ابن خلدون في هذا الكتاب عن الكثير من تفاصيل حياته المهنية في مجال السياسة والتأليف والرحلات، ولكنه لم يضمنها كثيرا تفاصيل حياته الشخصية والعائلية، ولقد كان شمال أفريقيا أيام ابن خلدون بعد سقوط دولة الموحدين تحكمه ثلاث أسر وهي أن المغرب كان تحت سيطرة المرينيين، وغرب الجزائر كان تحت سيطرة آل عبد الودود وتونس وشرق الجزائر وبرقة تحت سيطرة الحفصيين، والتصارع بين هذه الدول الثلاثة كان على أشده للسيطرة ما أمكن من المغرب الكبير ولكن تميزت فترة الحفصيين بإشعاع ثقافي باهر.

 

وكان المشرق العربي في أحلك الظروف آنذاك يمزقه التتار والتدهور، وكان ابن خلدون دبلوماسيا حكيما أيضا وقد أرسل في أكثر من وظيفة دبلوماسية لحل النزاعات بين زعماء الدول مثلا، عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيرا له إلى أمير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما وكان صديقا مقربا لوزيره لسان الدين ابن الخطيب، وكان وزيرا لدى أبي عبد الله الحفصي سلطان بجاية، وكان مقربا من السلطان أبي عنان المرينى قبل أن يسعى بينهما الوشاة وبعد ذلك بأعوام استعان به أهل دمشق لطلب الأمان من الحاكم المغولي القاسي تيمورلنك، وتم اللقاء بينهما، ووصف ابن خلدون اللقاء في مذكراته، إذ يصف ما رآه من طباع الطاغية، ووحشيته في التعامل مع المدن التي يفتحها، ويقدم تقييما متميزا لكل ما شاهد في رسالة خطها لملك المغرب، وأما عن الخصال الإسلامية لشخصية ابن خلدون.

 

فإن أسلوبه الحكيم في التعامل مع تيمور لنك مثلا، وذكائه وكرمه، وغيرها من الصفات التي أدت في نهاية المطاف لنجاته من هذه المحنة، تجعل من التعريف عملا متميزا عن غيره من نصوص أدب المذكرات العربية والعالمية، وساهم ابن خلدون في الدعوة للسلطان أبي حمو الزياني سلطان تلمسان بين القبائل بعد سقوط بجاية في يد سلطان قسنطينة أبي العباس الحفصي وأرسل أخاه يحيى بن خلدون ليكون وزيرا لدى أبي حمون وهكذا كان ابن خلدون وهو المكنى بأبي زيد، حيث ذكر ابن خلدون نسبه بهذا الشكل وقال لا أذكر من نسبي إلى خلدون غير هؤلاء العشرة، كما يتصل نسبه إلى الصحابي وائل بن حجر، الذي قدم إلى النبي صلي الله عليه وسلم فبسط له رداءه، وأجلسه ودعا له ولم يتفق العلماء على أصل ابن خلدون، بل اتخذوا في ذلك مذهبين، الأول منهما يرى أنّه عربي الأصل ويمثله ساطع الحصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى