مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الخطيب البغدادي ” جزء 3″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الخطيب البغدادي ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإمام الخطيب البغدادي، وكان يزور بيت المقدس ويعود إلى صور، إلى سنة ثلاثمائة واثنين وستين للهجرة، فتوجه إلى طرابلس ثم منها إلى حلب ثم إلى الرحبة ثم إلى بغداد فدخلها في ذي الحجة وحدث بحلب وغيرها، ويقول السمعاني سمعت الخطيب مسعود بن محمد بمرو، سمعت الفضل بن عمر النسوي يقول كنت بجامع صور عند أبي بكر الخطيب فدخل علوي وفي كمه دنانير، فقال هذا الذهب تصرفه في مهماتك فقطب في وجهه وقال لا حاجة لي فيه، فقال كأنك تستقله وأرسله من كمه على سجادة الخطيب وقال هذه ثلاثمائة دينار فقام الخطيب خجلا محمرا وجهه وأخذ سجادته ورمى الدنانير وراح، فما أنى عزه وذل العلوي وهو يلتقط الدنانير من شقوق الحصير، وقال الحافظ ابن عساكر سمعت الحسين بن محمد يحكي عن ابن خيرون أو غيره.

 

أن الخطيب ذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات أن يحدث بتاريخ بغداد بها، وأن يملي الحديث بجامع المنصور، وأن يدفن عند بشر الحافي، فقضيت له الثلاث، وقد كان الخطيب البغدادي رئيس الرؤساء تقدم إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثا حتى يعرضوه عليه فما صححه أوردوه، وما رده لم يذكروه، وأظهر بعض اليهود كتابا ادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة الصحابة وذكروا أن خط علي رضي الله عنه فيه، وحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء، فعرضه على الخطيب فتأمله وقال هذا مزور، قيل من أين قلت ؟ قال فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح وفتحت خيبر سنة سبع وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات يوم بني قريظة قبل خيبر بسنتين، فاستحسن ذلك منه، وعن محمد بن طاهر قال.

 

حدثنا مكي بن عبد السلام الرميلي قال كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور، أنه كان يختلف إليه صبي مليح، فتكلم الناس في ذلك وكان أمير البلد رافضيا متعصبا، فبلغته القصة فجعل ذلك سببا إلى الفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل فيقتله وكان صاحب الشرطة سنيا فقصده تلك الليلة في جماعة ولم يمكنه أن يخالف الأمير، فأخذه وقال قد أمرت فيك بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة إلا أني أعبر بك عند دار الشريف بن أبي الجن فإذا حاذيت الدار، اقفز وادخل فإني لا أطلبك وأرجع إلى الأمير، فأخبره بالقصة، ففعل ذلك ودخل دار الشريف فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال أيها الأمير أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله وليس في قتله مصلحة، هذا مشهور بالعراق إن قتلته قتل به جماعة من الشيعة وخربت المشاهد، قال فما ترى ؟ قال أرى أن ينزح من بلدك، فأمر بإخراجه فراح إلى صور.

 

وبقي بها مدة، وقال أبو القاسم بن عساكر سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي إلى أمير الجيوش فقال هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل العباس في الجامع، وروى ابن عساكر عمن ذكره أن الخطيب وقع إليه جزء فيه سماع القائم بأمر الله، فأخذه وقصد دار الخلافة وطلب الإذن في قراءته فقال الخليفة هذا رجل كبير في الحديث وليس له في السماع حاجة فلعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك فسلوه ما حاجته ؟ فقال حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور، فأذن له فأملى، وقال ابن طاهر سألت هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ ؟ قال لا كنا إذا سألناه عن شيء أجابنا بعد أيام وإن ألححنا عليه غضب وكانت له بادرة وحشة ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه، وقال أبو الحسين بن الطيوري أكثر كتب الخطيب سوى تاريخ بغداد، مستفادة من كتب الصوري.

 

كان الصوري ابتدأ بها وكانت له أخت بصور، خلف أخوها عندها اثني عشر عدلا من الكتب، فحصل الخطيب من كتبه أشياء وكان الصوري قد قسم أوقاته في نيف وثلاثين شيئا، وهكذا كانت حياة الخطيب البغدادي وهو أن أهتم أبوه به اهتماما كبيرا فكان شديد الحرص على إرساله لمن يعلمه القرآن والآداب المختلفة وعندما انتهى من تعلم مبادئ العلم في قريته صار يتردد على حلقات العلم في بغداد والتي كانت في ذلك الوقت منار العلم ومركزه في العالم الإسلامي، وألتزم حلقة أبي الحسن بن رزقوية، وكان محدثا عظيما، وله حلقة في جامع المدينة ببغداد، وتردد على حلقة أبي بكر البرقاني، وكان مبرزا في علم الحديث، فسمع منه وأجازه، وأتصل بالفقيه الشافعي الكبير أبي حامد الإسفراييني، وتتلمذ على يديه، وبعد أن انتهى الخطيب البغدادي من التعلم في بغداد أنتقل للبصرة وهو في العشرين من عمره.

 

والتقى بعلمائها الكبار وأخذ عنهم، ثم عاد إلى بغداد في السنة نفسها، وفي تلك الأثناء كان اسمه قد بدأ في الانتشار والشيوع، ثم عاود الرحلة بعد مضي ثلاث سنوات على رحلته الأولى، واتجه إلى نيسابور بمشورة شيخه أبي بكر البرقاني وفي طريقه إليها مر بمدن كثيرة كانت من مراكز الثقافة وحواضر العلم، فنزل بها وأخذ عن شيوخها، حتى إذا استقر بنيسابور بدأ في الاتصال بعلمائها وشيوخها، ثم عاد إلى بغداد، وبعدها عاود الرحلة إلى أصبهان وأتصل بأبي نعيم الأصبهاني فلازمه وروى عنه، كما روى عن عدد من العلماء والمحدثين، وأخذ عنهم رواياتهم، وكر راجعا إلى بغداد، وأستقر فيها مدة طويلة، وتنقل بعدها بين دمشق وصور وبيت المقدس والعديد من مدن بلاد الشام وبعد عودته من الشام إلى بغداد قام بالتدريس في حلقته بجامع المنصور، وأجتمع حوله طلابه وأصحابه حتى توفي فيها عام ربعمائة وثلاث وستين للهجرة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى