مقال

الدكروري يكتب عن ما فطرت عليه النفوس السليمة ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن ما فطرت عليه النفوس السليمة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني مع ما فطرت عليه النفوس السليمة، فقال محمد بن المنكدر ” بت أغمز رجل أمى، وبات أخى يصلى، وما يسرني أن ليلتي بليلته” وأن ابن عمر رضي الله عنهما قال لرجل ” أتفرق النار وتحب أن تدخل الجنة؟ قال أى والله، قال أحي والدك؟ قال عندي أمي، فقال ابن عمر، فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر” والوفاء مع الوالدين لا ينقطع بموتهما، فالابن الوفي البار يشرك والديه معه في صدقاته وبره وإحسانه، ولا ينساهما من دعائه واستغفاره، فقيل أن سعد بن عبادة رضي الله عنه تصدق ببستان عن أمه وفاء لحقها، فقال يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال “نعم” قال فإني أشهدك أن حائطي المخراف، صدقة عليها” رواه البخارى، وقيل أنه حفَر بئرًا وقال هذه لأم سعد.

 

وقال عامر بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وأرضاهم ” مات أبي فما سألت الله عز وجل حولا كاملا إلا العفو عنه” فعلى نهج الكتاب والسنة تربى الصالحون الأطهار، من الصحابة والتابعين الأبرار، فهذه سيرتهم العطرة في وفائهم مع آبائهم وأمهاتهم، قد فاح عبيرها وعلا ذكرها، ولا يزال الوفاء في الأمة باقيا إلى يوم القيامة، فإن أعظم الناس وفاء هم الأنبياء ورسولنا صلى الله عليه وسلم بلغ المنتهى في الوفاء وحفظ العهد، فمن كريم وفائه صلى الله عليه وسلم بأمته، أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وادخر دعوته المستجابة شفاعة لأمته يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لكل نبى دعوة مستجابة وإنى وضعت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة وهى نائلة منكم إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا”

 

فإذا كان هذا حبه ووفاءه لأمته صلوات ربي وسلامه عليه فحري بنا أن نأتمر بأوامره ونجتنب نواهيه، ونعمل بسنته ونذب عن دينه، فقال القاضي عياض في محبة النبي صلى الله عليه وسلم “اعلم أن مَن أحب شيئا آثره وآثَر موافقته وإلا لم يكن صادقا في حبه، وكان مدعيا، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم مَن تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عُسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قول الحق سبحانه وتعالى فى سورة آل عمران ” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم” وإن وفاء الإنسان لوطنه ومجتمعه مما فطرت عليه النفوس السليمة، وتعاهد عليه أصحاب الأخلاق الكريمة، والأوفياء لمجتمعاتهم يرعون عهدها، ويحفظون أمنها.

 

ويصونون ممتلكاتها، ويسعون لعمارتها، ويحرصون على جمع الكلمة، وطاعة ولاة الأمور، والوفاء ببيعتهم، والتعاون معهم، وبذلك يعم النفع، وتتحقق المصالح، وإن وفاء المسلم ليتجاوز أرضه ووطنه، إلى مقدسات وقضايا المسلمين في كل مكان تحقيقا لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى كله بالسهر والحمى ” رواه مسلم، ولكن ماذا كان يعني الوفاء بالعهد عند أجدادنا؟ وما معنى كلمة العهد؟ فقد كان أحدهم إذا قال للآخر هذا عهد الله بيننا، كان كافيا لإبرام عقد أو اتفاق امتثالا لقول الله تعالى ” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا” وخوفا من تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” فما معنى العهد؟ فقال الإمام الجرجاني “هو حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال.

 

هذا أصله ثم استخدم في المُوثق الذي يلزم مراعاته” وللعهد معانى كثيرة منها الموثق، واليمين، والوصية، والوفاء، والأمان، والضمان وغيرها، وهذه المعاني هي التي كانت راسخة ومستقرة في علم وعُرف السابقين رحمهم الله، فكان لفهمهم السليم الأثر الإيجابي في حياتهم الخاصة والعامة، فماذا وقع؟ هل هو جهل باللغة؟ أم بالفهم الصحيح لأمور الدين؟ أم هو إعراض واتخاذ للقرآن مهجورا؟ ولا يحتاج الأمر للجواب، إذ لا داعي لتوضيح الواضح، وشرح الفاضح الذي يدل عليه واقع الكثيرين من عباد الله إلا من رحم الله، فإن الوفاء بالعهد قيمة أخلاقية وإنسانية عظيمة، فبالوفاء بالعهد تدعم الثقة بين أفراد الأسرة، والمجتمع، وبها تطمئن النفوس لبعضها البعض، وبها تنمو أواصر التعاون بين الأفراد والجماعات، والوفاء بالعهد شُعبة من شُعب الإيمان، فهو دليل على صدق إيمان وعنوان استقامتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى