مقال

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن العمل أساس الحياة ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد حث الإسلام على العمل لأن العمل هو أساس الحياة التي نعيشها ونحياها، فهو المصدر الرئيسي للرزق والقوت الذي يرتجيه كل إنسان على وجه الأرض، وكما حث على العمل حث على أدائه بإتقان، فقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلام يسلخ شاة، فقال له “تنح حتى أريك، فإني لا أراك تحسن تسلخ” فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين الجلد واللحم فدحس بها أي مدّها حتى توارت على الإبط، وقال صلى الله عليه وسلم “يا غلام هكذا فاسلخ” ثم مضى، فلم يستكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقف مع الغلام ويساعده في عمله ويسهّل له ما شق عليه، ويعلمه ما خفي عليه من إتقان السلخ، وهذا موقف آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عاصم بن كليب عن أبيه قال شهدت مع أبي جنازة وشهدها رسول الله صلي الله عليه وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتهي بالجنازة إلي القبر ولم يمكن لها.

 

قال فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ” سووا لحد هذا” حتي ظن الناس أنه سنة، فألتفت إليهم فقال “أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره ولكن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن” وفي لفظ ” ولكن أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” رواه البيهقي في شعب الإيمان، ويحكى أنه حدثت مجاعة بقرية فطلب الوالي من أهل القرية طلبا غريبا كمحاولة منه لمواجهة خطر القحط والجوع وأخبرهم بأنه سيضع قدرا كبيرا في وسط القرية وأن على كل رجل وامرأة أن يضع في القدر كوبا من اللبن بشرط أن يضع كل واحد الكوب متخفيا دون أن يشاهده أحد، فهرع الناس لتلبية طلب الوالي فكل منهم تخفى بالليل وسكب الكوب الذي يخصه وفي الصباح فتح الوالي القدر فماذا وجد؟ وجد القدر وقد امتلأ بالماء فأين اللبن؟ ولماذا وضع كل واحد من الرعية الماء بدلا من اللبن؟

 

وهو أن كل واحد من الرعية قال في نفسه إن وضعي لكوب واحد من الماء لن يؤثر على كمية اللبن الكبيرة التي سيضعها أهل القرية وكل منهم اعتمد على غيره وكل منهم فكر بالطريقة نفسها التي فكر بها أخوه، وظن أنه هو الوحيد الذي سكب ماء بدلا من اللبن، والنتيجة التي حدثت أن الجوع عم هذه القرية ومات الكثيرون منهم ولم يجدوا ما يعينهم وقت الأزمات، فهل تصدق أنك تملأ الأكواب بالماء في أشد الأوقات التي نحتاج منك أن تملأها باللبن فإنه عندما لا تتقن عملك بحجة أنه لن يظهر وسط الأعمال الكثيرة التي سيقوم بها غيرك من الناس فأنت تملأ الأكواب بالماء، فطلوب منك إتقان عملك والإحسان إلي طاقتك وعدم التحجج بتقصير غيرك، واعلموا أن الذي لا يتقن عمله يعود هذا الأمر وبالا عليه ودمارا قبل غيره في الدنيا والآخرة، فقيل في يوم من الأيام استدعى الملك وزراءه الثلاثة.

 

وطلب من كل وزير أن يأخذ كيسا ويذهب إلى بستان القصر ويملأ هذا الكيس له من مختلف طيبات الثمار والزروع، وطلب منهم أن لا يستعينوا بأحد في هذه المهمة وأن لا يسندوها إلى أحد آخر، فاستغرب الوزراء من طلب الملك وأخذ كل واحد منهم كيسه وانطلق إلى البستان، فالوزير الأول حرص على أن يُرضي الملك فجمع من كل الثمرات من أفضل وأجود المحصول وكان يتخيّر الطيّب والجيّد من الثمار حتى ملأ الكيس، أما الوزير الثاني فقد كان مقتنعا بأن الملك لا يريد الثمار ولا يحتاجها لنفسه وأنه لن يتفحص الثمار، فقام بجمع الثمار بكسل وإهمال فلم يتحر الطيّب من الفاسد حتى ملأ الكيس بالثمار كيفما اتفق، أما الوزير الثالث فلم يعتقد أن الملك سوف يهتم بمحتوى الكيس أصلا، فملأ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار، وفي اليوم التالي، أمر الملك أن يُؤتى بالوزراء الثلاثة مع الأكياس التي جمعوها.

 

فلما اجتمع الوزراء بالملك أمر الملك الجنود بأن يأخذوا الوزراء الثلاثة ويسجنوهم كل واحد منهم على حده مع الكيس الذي معه لمدة ثلاثة أشهر في سجن بعيد لا يصل إليهم فيه أحد كان، وأن يمنع عنهم الأكل والشراب، فالوزير الأول بقي يأكل من طيبات الثمار التي جمعها حتى انقضت الأشهر الثلاثة، والوزير الثاني عاش الشهور الثلاثة في ضيق وقلة حيلة معتمدا على ما صلح فقط من الثمار التي جمعها أما الوزير الثالث فمات جوعا قبل أن ينقضي الشهر الأول، فانظروا إلى هذا الذي لم يتقن عمله وتكاسل وتقاعس كيف كانت عاقبته ونهايته، وانظروا إلى جزاء من أتقن عمله ماذا جنى، وإن من أنواع الإتقان هو الإتقان العسكري، حيث أن الكفاءة العسكرية ضرورة شرعية ومطلب قومي لا ينبغي إغفاله لذا اهتم القران الكريم بقضية الإتقان في الحياة العسكرية وخاصة عند خوض الحروب الحاسمة فذكر الله لنا قصة طالوت عليه السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى