مقال

الدكروري يكتب عن الإمام الكوثري ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام الكوثري ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إضافة إلى قوة ذاكرة يسّرت له ضبط الأسماء مع حفظها، وبلغ فيها درجة سامية جعلته مضرب الأمثال في الحفظ والدقة، وإن القراءة المتأنية لمجموع ما صنفه الرجل من مؤلفات ومقالات وتعليقات وتحقيقات تدل على تمكنه من علوم العربية أولا والشريعة ثانيا وفنون الحكمة ثالثا واللغات الشرقية رابعا، فقد كان فارسا لا يبارى في تلك المعارف والفنون، ويبيّن التحليل الموضوعي لمجموع مضامين مؤلفاته أننا أمام طود شامخ، أخذ من الأوّلين قوّة الذاكرة وسعة الاطلاع وطول النفس والصبر على التحصيل والتحليل والتحقيق مع جرأة في الحق يغبط عليها، وكتب وصنف في معظم علوم الشريعة والعربية، فمع الفقهاء كان فقيها متضلعا، ومع الأصوليين كان نحريرا يحرر المسائل بدقة متناهية، ومع المتكلمين كان متكلما نظارا، ومع المؤرخين محققا مدققا، أما في الحديث وعلومه فهو فارس مجالاته.

 

وشيخ تخصصاته من غير منازع وحيد عصره وفريد زمانه نسيج وحده كما قال أحد تلاميذه، وتتبيّن تلك الحقيقة بعرض يسير لأسماء الأعلام الذين ناقشهم فقد تتبع أقوال الفقهاء والمتكلمين والمحدثين والمفسرين والمؤرخين والفلاسفة والمستشرقين، وناقش أقوال المالكية والشافعية والحنابلة فانتصر لهم أحيانا وورفض أقوالهم أحيانا أخرى واضعا نصب عينيه في كل ذلك الانتصار للإمام أبي حنيفة، ووفق ذلك الجهد ناقش أقوال المحدّثين كابن خزيمة والدارمي وابن الصلاح والخطيب البغدادي وابن حزم وابن تيمية وابن القيّم وخلقا كثيرا، وناقش في المفسرين ابن جرير الطبري والزمخشري والرازي، كما ناقش المتكلمين وأتباع الفرق الأخرى فحلل وناقش آراء الأشاعرة وأعلام الشيعة كالنوبختي، وجاوز ذلك إلى رد مفتريات المستشرقين والمتغربين من أبناء أمتنا الإسلامية، وعلم بهذه السعة في التأليف لا يعدم نقادا ومناوئين.

 

ومما قدم له أو كتب فيه كلمة، هو شرح مقامة الحور العين لنشوان الحميري، والروض النضير في شرح المجموع الفقهي الكبير للسياغي الصنعاني، ونثر الدر المكنون في فضائل اليمن الميمون للسيد محمد الأهدل، والدر الفريد الجامع لمتفرقات الأسانيد للسيد عبد الواسع اليماني، وبيان مذهب الباطنية وبطلانه من كتاب قواعد عقائد آل محمد لمحمد بن الحسن الديلمي، وطبقات ابن سعد من الطبعة المصرية، ونصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ الزيلعي، تقدمته واسعة وجداول التصويب غير وافية، فتحتاج إلى إكمال، وفتح الملهم في شرح صحيح مسلم للعلامة شبير أحمد العثماني، وترتيب مسند الإمام الشافعي للحافظ محمد عابد السندي، وأحكام القرآن جمع البيهقي من نصوص الإمام الشافعي، ومناقب الإمام الشافعي للحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي الشافعي، وذيل الروضتين للحافظ أبي شامة.

 

وفهارس البخاري لفضيلة الأستاذ الشيخ رضوان محمد رضوان، وإشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان لكمال الدين البياضي، وكشف الستر عن فرضية الوتر لعبد الغني النابلسي، والعالم والمتعلم لأبي بكر الوراق الترمذي، والأعلام الشرقية للأستاذ زكي مجاهد، وانتقاد المغني عن الحفظ والكتاب للأستاذ حسام الدين القدسي، والنهضة الإصلاحية للأسرة الإسلامية للأستاذ مصطفى الحمامي، ومنتهى آمال الخطباء له أيضا، وبراهين الكتاب والسنة للعلامة العارف بالله الشيخ سلامة العزامي، وقانون التأويل لحجة الإسلام الغزالي، والثمرة البهية للصحابة البدرية لمحمد سالم الحفناوي، وكتاب بغداد لابن طيفور، وفتاوى تقي الدين السبكي، وإيضاح الكلام فيما جرى للعز بن عبد السلام، وتاريخ القوقاز، ودفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد للتقي الحصني.

 

وتعليقه على مادة الجركس في تعريب دائرة المعارف الإسلامية، وقال عنه محمد أبو زهرة لا أعرف عالما مات فخلا مكانه في هذه السنين كما خلا مكان الإمام الكوثري، لأنه بقية السلف الصالح الذين لم يجعلوا العلم مرتزقا ولا سلما لغاية، وورد عن أبي زهرة في وصفه ما يبيّن معرفته بالرجال ومنازلهم، اخترنا في هذا المقام نتفا من تلك الخلال التي وصفه بها إنه تحقق فيه القول المأثور العلماء ورثة الأنبياء، وما كان يرى تلك الوراثة شرفا يفتخر به ويتسلط به على الناس، بل كان يراه جهادا في إعلان الإسلام وبيان حقائقه وإزالة الأوهام التي لحقت جوهره، ويؤكد هذا المعنى، قوله أيضا لم يكن الكوثري من المنتحلين لمذهب جديد أو داعيا إلى مذهب لم يُسبق إليه، لهذا كان ينفر ممن يسميهم العامة وأشباه المثقفين بسمة التجديد، ومع ذلك فقد كان من المجددين بالمعنى الحقيقي للتجديد والذي هو إعادة رونق الدين وجماله وإزالة ما علق به من الأوهام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى