مقال

الدكروري يكتب عن الإمام موسي بن عقبة ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام موسي بن عقبة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وكان موسى بن عقبة من أسرة علم، فأخواه إبراهيم بن عقبة ومحمد بن عقبة، من ثقات المحدثين، حيث قال الواقدي “كان لإبراهيم وموسى ومحمد بني عقبة حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا كلهم فقهاء محدّثين، وكان موسى يفتي، وكان إبراهيم ثقة قليل الحديث” وكتب موسى بن عقبة المغازي وتتبعها وأتقنها، وسبب ذلك ما ذكره إبراهيم بن المنذر، قال حدثنا سفيان بن عيينة، قال كان بالمدينة شيخ يقال له شُرحبيل أبو سعد، وكان من أعلم الناس بالمغازي، فاتهموه أن يكون يجعل لمن لا سابقة له سابقة، وكان قد احتاج فأسقطوا مغازيه، وعلمه، وقال إبراهيم فذكرت هذا لمحمد بن طلحة بن الطويل ولم يكن أحد أعلم بالمغازي منه، فقال لي كان شرحبيل بن سعد وهو أبو سعد عالما بالمغازي، فاتهموه أن يكون يُدخل فيهم من لم يشهد بدرا، ومَن قتل يوم أحد، والهجرة.

 

ومن لم يكن منهم وكان قد احتاج فسقط عند الناس، فسمع بذلك موسى بن عقبة فقال وإن الناس قد اجترؤوا على هذا؟ فدب على كبر السن وقيد من شهد بدرا، وأحدا، ومن هاجر إلى أرض الحبشة، والمدينة وكتب ذلك، وقد غدا كتابه هذا محل ثقة العلماء وراج في حلقات الدرس، وكان سبب ثناء الإمام مالك عليها يوضحه ما جاء عنه في قوله “عليكم بمغازي موسى بن عقبة، فإنه رجل ثقة طلبها على كبر السن، ليقيد من شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكثر كما كثر غيره، وقال الذهبي هذا تعريض بابن إسحاق، ولا ريب أن ابن إسحاق كثر وطوّل، وبقي العلماء عبر العصور يشيدون به ويشيرون إليه، ومن ذلك قول علي بن المديني، قال لي الدراوردي قل ليوسف السمتي يتقي الله ويرد كتاب موسى بن عقبة أي أنه كان قد أعاره إياه لينسخه، وبالرجوع إلى طبقات ابن سعد نجده قد تتبعه حذو القذة بالقذة.

 

وجعله أحد مصادره الأربعة الأساسية واقتبس منه من الأوائل يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ من طريق محمد بن فليح، والبيهقي في دلائل النبوة، والاعتقاد، وغيرهما من كتبه، وقد اقتبس نصوصا طويلة، أما ابن عبد البر في كتاب “الدرر في اختصار المغازي والسير” فقد قدمه على غيره، وقال وأفردت هذا الكتاب لسائر خبره، ومبعثه وأوقاته صلى الله عليه وسلم، اختصرت ذلك من كتاب موسى بن عقبة، وكتاب ابن إسحق، واعتمده ابن عساكر في تاريخه، واللالكائي والمتأخرون، وكل من كتب في السيرة النبوية، وقد وصل الكتاب كاملا إلى المتأخرين ونجد ابن سيد الناس في سيرته عيون الأثر يعتمده، ويضعه في جملة المصنفات التي أكثر الرجوع إليها ورواها بسنده، ونجد الذهبي يقول في تذكرة الحفاظ “قرأت مغازي موسى بالمزة على أبي نصر الفارسي”

 

وكما قال في كتابه سير أعلام النبلاء الإمام الثقة الكبير، وكان بصيرا بالمغازي النبوية، ألفها في مجلد، فكان أول من صنف في ذلك، وقال تعليقا على قول مالك “ولم يكثر كما كثر غيره” قلت أي الذهبي “هذا تعريض بابن إسحاق، ولا ريب أن ابن إسحق كثر وطول بأنساب مستوفاة، اختصارها أملح، وبأشعار غير طائلة، حذفها أرجح، وبآثار لم تصح، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج إلى تنقيح رواية ما فاته، وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير سمعناها، وغالبها صحيح، ومرسل جيد، ولكنها مختصرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة” وقد اقتبس الذهبي من مغازي موسى بن عقبة كثيرا في تاريخه الكبير، وفي قسم السيرة، وفي السيرة التي أفردها حسام الدين القدسي وطبعها، ومن خلال ذلك يتبيّن لنا طريقة سياقه للنصوص، فتارة يروي بإسناده موصولا.

 

وتارة يروي عن شيوخه وخاصة الزهري مرسلا، وتارة يسوق الخبر دون أن ينسبه إلى أحد بعبارته حسب ما استقى من مصادره في الوسط الذي عاش فيه وهي المدينة المنورة، ولابد من الإشارة إلى أن موسى بن عقبة كان يريد أن يدقق في عمل رجلين معاصرين له، ويتجنب العثرات العلمية التي قصرا في تجنبها، وهما شُرحبيل بن سعد، ومحمد بن إسحاق، أما بالنسبة لشرحبيل فأراد أن يضبط من مصادر وثيقة ذوي السابقة في الإسلام الذين حضروا المشاهد، كل في مرتبته، وأما محمد بن إسحاق فأراد أن يبتعد عن الاستطراد والتطويل والجمع والحشد الذي وقع فيه محمد بن إسحق، وقد نجح إلى حد كبير في ذلك حسب ما شهد له به العلماء الذين عاصروه وجاؤوا بعده، وكما اتفقت جميع المصادر على أن موسى ابن عقبة توفي سنة مائة وواحد وأربعين من الهجرة، بالمدينة المنورة ودفن بها رحمه الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى