مقال

أيها الفلسطينيون أهربوا

جريدة الأضواء

أيها الفلسطينيون أهربوا

كتب / يوسف المقوسي

 

تجرأوا على المستحيل. ما كان أحد يظن أن تصل العداوة، إلى طلب الطلاق أو الهجر. الفريقان المضادان في فلسطين ، يتشابهان في تنفية الحزبية التنظيمية من شبهة الوطن. وصلت بهم الأحقاد. الى حد غير مسبوق. كل فريق دعا “عدوه” الى ان يكون مثله، على صورته ومثاله، وإن لا، فليرحل. أي، إما ان تكون فلسطين على صورة حركته الفتحاوية السياسية “الأصيلة”، لأنها أصل الكيان، وإما على صورة الحركة الحمساوية السياسية، لأنها حررت غزة من الاحتلال الاسرائيلي.

 

هكذا. نعم هكذا. هذا ليس استنتاجاً ابداً. وليس تلفيقاً. قبل ذلك، على مسمع للفلسطينيين جميعاً: “كونوا مثلنا أو … أهربوا”. نعم إلى هذه الدرجة، وهذا الدرك، وصلت “السياسة” في فلسطين .

الشيخ (…)، قالها بالفم الملآن. والسحيجة، ساروا على منوال الشيخ: “كونوا مثلنا أو أهربوا”. هذا امر مريع. ينبئ بمستقبل انحطاطي، ونهايات سود. ولا تهويل في هذا التوقع ابداً، ولا تبديل في التموضع. لن يصبح الفتحاوي سياسياً، حمساويا. ولن تنتقل الفتحاوية السياسية إلى الحمساوية السياسية. ضدان لا يلتقيان ابداً. ولا حل لهذين الضدين الا بتسليم الطرفين، العيش معاً، في حالة عداء سلمي، لفظي، كلامي، بلا أي مردود سياسي بالمرة. الفتحاوية سياسياً، ظهرهم لإيران، ووجههم إلى الغرب المسيحي، ومن معه في القوافل العربية، من المحيط إلى الخليج. والحمساويون سياسياً، ظهرهم للغرب المسيحي، وقبلتهم تركيا الآن وفي كل زمان… جبلان لا يلتقيان. خطان متوازيان، إلى ابعد مدى جغرافي وزمني وسياسي.

هذه هي فلسطين راهنا. وهكذا كانت. الكارثة أن للفلسطينيين يطلقون النار على ذاكرتهم، ويتعمدون النسيان، ثم يستيقظون ويستسلمون لمنطق الفتنة.

 

جدير الانتباه، إلى الانفصام التام، بين الوقائع اليومية الراهنة، في بؤسها وزوغانها وخرابها، وبين افتعال منهجي لقضايا ذات طابع استراتيجي، دولي واقليمي، ولا تقوى على حله، دول عظمى، ودول اقليمية مستنفرة عسكريا وسنياً وشيعياً ونووياً . فلسطين الراكعة على جبهتها، الزاحفة على بطونها الخاوية، الباحثة عن خبز ليومها، ودواء لعللها، وغدٍ أقل بؤساً… فلسطين المنهوبة، وناهبوها، احياء يرزقون، يصرحون ويصرخون ويرفعون “هامة” السيادة والخوف عليها، وهو كذب ودجل ونفاق وعهر غير مسبوق… فلسطين الراكعة تستعطي ماءً وغذاءً ونوراً وهواء… فلسطين هذه لا تتعرف عليها الأحزاب والحركات ابداً. فكلها دسمة و”مليانة” مالاً وعقاراً وخوَّة. (تحت عنوان التآخي الكاذب). فلسطين هذه التي تعاني سكرات الموت، لا تهز شعرة من رؤوس السياسيين الحزبيين، وما أكثرهم…

 

فلسطين هذا اليوم تتسوَّل كل شيء، فيما الأحزاب والحركات متخمة، وتهرب من شبح مجاعة الناس، إلى خوض معركة كلامية ضروس لتغطية وتناسي مأساة الناس، بل مآسي الناس الغلابى. وبعضهم عميان، يصدقون أن المعركة في فلسطين ، هي حول السيادة… متى كانت فلسطين سيدة مستقلة؟ طول عمرها، كانت ساحة. ساحة لكل الاضداد. ساحة وسيعة، تلتقي فيها التناقضات، بسرعة… هذا أمر معروف.

 

خطير جداً ما بلغته معركة الأحقاد المتبادلة. والخطر، صدف أن عرفناه وعايشناه ودفعنا ثمنه دماء وجراحاً. الكلام الحزبي، الغل التنظيمي، فتك بالفلسطينيين، فتغيرت الجغرافيا السكانية. كان الفلسطينيون منتشرين ومتقوقعين معاً. كل منطقة في فلسطين ، تضم اكثرية من حزب أو حركة . وكانت المناطق مختلطة، مع ارجحية لحركة أو تنظيم على أخر. أي أن المناطق، ليست نقية وصافية، بل يشوبها اناس، وهم قلة، مغلوب على امرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى