مقال

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 4″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ويجب أن نعلم أن الإسلام جعل على كل الغلات والإنتاج الفلاحي صدقة يكتبها الله للزراع والغارس في صحيفة حسناته، وقد قال بعض العلماء أطيب الكسب الزراعة وهذا صحيح، لأن الزراعة يتوقف عليها المجتمع في كل وقت باستمرار، بينما كثير من الصنائع وسيلة إلى الزراعة والانتاج الفلاحي، ومن نظر إلى الثواب الذي وعد به الرسول صلي الله عليه وسلم الغارسين والزارعين يرجح هذا ولاشك، وكما يقول أحد الكتاب المعاصرين، وبما أن الانتاج الزراعي بمختلغف أنواعه يعتبر إحدى ركائز النهضة الاقتصادية، فينبغي أن نشير هنا إلى ميزة كبرى يتميز بها النظام الاقتصادي الإسلامي، هذه الميزة هي أن الإسلام لاينظر إلى المعاملات الاقتصادية على أنها معاملات بين الناس بعضهم مع بعض فحسب، بل ينظر إليها كذلك على أنها معاملات بين العبد وربه.

 

ولايجعل ثواب يسير على تعاليمه في شؤون الاقتصاد مقصورا على ماعسى أن يناله من خير في الدنيا، بل يعده كذلك بأجر كبير في الأخرة، ولا يجعل عقاب من ينحرف عن تعاليمه في شؤون الاقتصاد مقصورا على ماعسى أن يصيبه من ضرر في الدنيا، بل يتوعده كذلك بعذاب أليم في الآخرة، وبذلك يضم الإسلام في شؤون الاقتصاد إلى الوازع الدنيوي وازعا آخر أقوى كثيرا وأشد تأثيرا وهو الوازع الديني الأخروي، وأن الإسلام لايفصل الدين عن الدنيا كما فعلت الدول الغربية، وإنما تسير جميع تعاليمه الدينية والدنيوية متوازية في وسطية واعتدال محمودين، ولقد جاء في الحديث الصحيح في فضل التسبيح أنها كلمة تغرس بها نخلة في الجنة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من قال سبحان الله العظيم وبحمدة غرست له نخلة في الجنة” رواه الترمذي.

 

وهذا الحديث العظيم يرشدنا إلى خير عظيم، ونعيم كبير، والمسلم يسعى إلى الاستزادة من هذه الخيرات الوافرة لتكون زادا له في الدنيا وفي الآخرة، والمسلم الفطن هو الذي يستغل جميع الموارد المتاحة ليستزيد من فضل الله تعالى، ولقد يسّر الله جل جلاله لنا أسباب الاستزادة من الخير في الدلالة على فضل الأوامر الشرعية والأذكار العظيمة فكل من يدل على خير ينال مثل أجر من يقوم بهذه الأعمال دون أن ينقص من أجورهم شيئا، وبإمكان المسلم أن يدل على فضل الحديث الشريف فيكون له نخلة في الجنة كلما أرشد المسلمين ليقولوا “سبحان الله العظيم وبحمده” وتتوافر السبل المتاحة والميسرة لكل مسلم أن يفعل ذلك، وكلما أكثر المسلم من الذكر والطاعة زاده الله تعالى من فضله، وفضل الله تعالى واسع وكبير، لا يحصيه أحد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.

 

“ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا إذن نكثر؟ قال الله أكثر” رواه الترمذي، وكما روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزوه أحد إلا كان له صدقة” وفي رواية أخرى لمسلم “لا يغرس المسلم غرسا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة” وفي رواية ثالثة له أيضا ” لا يغرس مسلم غرسا، ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كان له صدقة” وفي هذا الحديث الشريف الذي تعددت رواياته وقفة تربوية نبوية مع أفراد أمته المسلمة، التي نالت شرفا عظيما.

 

عندما تلقت تربيتها في كل مجالات الحياة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والحديث الشريف رغم بساطته في معناه، ووضوحه في مغزاه، فإنه شكل بعدا استراتيجيا عميقا، غاية في الأهمية، لارتباطه بصناعة مستقبل هذه الأمة المسلمة، وتحديد مكانتها بين الأمم، وبيان ذلك يظهر في تلك الدعوة الحميمة التي أطلقها هذا الحديث لأفراد الأمة للاهتمام بالزرع الذي يشكل صمام الأمان الحقيقي لتوفير الغذاء، توفيرا ذاتيا، يغني المسلمين عن استيراد المحاصيل الزراعية من دول أخرى، قد تستغل حاجتهم لكي تتحكم بمواردهم وقراراتهم ومصيرهم، وقد تستغل حاجتهم فتصدر لهم محاصيل زراعية فاسدة، أو محشوة بالأمراض والأخطار مما يشكل خطرا على صحة الناس وحياتهم، وهذه الاحتمالات ليست ضربا من الخيال، فقد أثبتت التقارير المخبرية التي أجريت على كثير من المواد الغذائية المستوردة من بلاد أخرى، أنها تحتوي على مواد ضارة وخطيرة على الصحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى